أُمـّـكــــم الأرض تنـــاديكم

مصدق الحبيب

المستقل خاص
————————-
لم يشهد التاريخ الإنساني في حروبه الدامية ملحمة بطولية تراجيدية مثلما شهدها في الدفاع المستميت عن مدينة ستالينگراد السوفيتية ضد الجيش النازي الغازي ابان الحرب العالمية الثانية. استمرت المعارك الطاحنة من 23 آب 1942 ولغاية 2 شباط 1943. دعا ستالين الى نفير عام تجند فيه الرجال والنساء والأولاد والبنات وكل من يستطيع تحمل وزن البندقية وكانت مصانع السلاح تعمل ليل نهار وتصنع قطع السلاح والعتاد مثلما تصنع الحلوى. كان القصف الجوي الألماني على ستالينگراد مستمرا على مدار الساعة حتى لم تبق أي بناية واقفة فتحولت المدينة الكبيرة الى ركام مفجع. خلال تلك الشهور السوداء أقدمت قيادات الجيش الأحمر على اعدام 14000 جندي حاول الهروب من جحيم المعركة. كان ستالين قد أرسل رجله الاول نكيتا خروشوف ليرابط في الجبهة ويشرف على سير المعارك طيلة مدة المعركة. تقول احدى الروايات ان خروشوف الذي كان برتبة فريق آنذاك قد استدعى ذات يوم قواد الفرق الى مكتبه تحت الأرض وجعلهم يصطفون امامه وقال لهم بالحرف الواحد وهو يضع مسدسه على المنضدة: ” أمام كل واحد منكم خياران لا ثالث لهما، أما ان تعود الى الجبهة وتقود جنودك بشرف الى النصر والتحرير الكامل، أو ان تضع رصاصة في رأسك وتعفيني من المهمة”.
تمكن الجيش الأحمر بعد ذلك من تطويق الجيش الألماني من كافة الجهات وتشديد قبضته رغم القصف الجوي الذي كانت تنهمر فيه القنابل مثل المطر، وبذلك تم قطع الامدادات عن الجيش المحاصر الى ان نفذ كل ما لديه من عتاد ومؤن فاضطر للاستسلام تحت وطأة البرد والجوع وشحة العتاد واليأس. حينذاك كان حوالي 240000 جندي من الالمان وحلفائهم (الايطاليين والهنگاريين والرومانيين) قد استسلموا وبضمنهم القائد الألماني الأعلى المارشال فريدريك پاولس. يقدر مؤرخو الحروب بأن عدد ضحايا هذه المعركة كان قد وصل الى المليونين من الطرفين ما بين قتيل وجريح ومفقود. كان نصيب السوفيت حوالي 1.1 مليون ونصيب الالمان 0.9 مليون.
في نهاية الخمسينيات كلفت الحكومة السوفيتية النحات البارع يڤگيني ڤوچتش والمهندس نيكولاي نكيتن لتصميم نصب يليق بذكرى هذه المعركة البطولية والتضحيات الجسيمة التي دفعها الشعب من اجل تحرير ارضه من الغزاة، فكان هذا النصب الهائل الجليل الذي سمي ” أُمكم الأرض تناديكم”.
التمثال الرئيسي عبارة عن امرأة تشهر سيفا طويلا بيدها اليمنى وتنادي لأبنائها بيدها اليسرى. يبلغ طول التمثال 85 متر ويزن 8000 طن وهو مصنوع من الستيل والكونكريت ويقف على تلة تقود اليها 200 درجة سلم تمثل عدد أيام المعركة. استغرق العمل في التمثال ثمان سنوات بين 1959 و 1967. وكان النحات قد استخدم عدة موديلات لضبط حركة الجسم منها زوجته فيرا و بطلة القرص السوفيتية نينا دمبازي إضافة الى فالنتينا آيزوتوفا . يقع التمثال في بارك جميل يشتمل على عدة تماثيل اضافية ومتحف وابنية وساحة للاحتفالات ومرافق أخرى.

(Visited 25 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *