المكان : غرفة  …..  الزمان : 00:00 / فرح خلدون

المكان : غرفة ….. الزمان : 00:00 / فرح خلدون

 

فرح خلدون || كاتبة عراقية

أنظرُ إلى الشارع مِنْ نافذتي، أعودُ إلى مكتبي.. أجلسُ وأُراقب هاتفي، لقد إشتقتُ إليه، سأُحادِثُهُ.. لا، لن أُحادِثَهُ، أراهُ مُتصلاً بالإنترنت لكن لا تحقُ لي مُحادثتهُ، مُشتاقةٌ إليه لكن شوقي تُخالطهُ حرقةٌ كـحرقةِ أبٍ يبحثُ عن ابنتهِ التي غادرت في مُنتصف الليل، تُخالطهُ لهفةٌ كـلهفةِ أُمٍّ تنتظرُ وليدها الأوّل بعد عُقمٍ دام لِـسنوات.

حسناً.. سأدوسُ على كرامتي وأبعثُ الرسالة عَلَّ ضجيجَ قلبي يهدأُ قليلاً، لكن ماذا أقول في مُقدمة الرسالة؟ أقولُ كيف حالك؟ أم أبدأ بمُقدمة عراقية بحتة فأقول شكو ماكو؟ شلونك يا مدوخني؟ أم أعودُ إلى فصحتي وأقول:
السلامُ على مَنْ رفضَ حُبِّي وعلا
السلامُ على مَنْ عند غيابي سلا
السلامُ على مَنْ رغمَ البعاد نأى
السلامُ على مَنْ زادني حُبّهُ ألما
السلامُ على مَنْ أُبدي لهُ الأسفا
إنْ كان قَد مَلَّ مِنْ حُبِّي أو انزعجا
فأنا أُلقي عليه اللومَ حينَ لا أجِدا
كلاماً يُعبّرُ عن مدى الحُبِّ والشغفا

لا، سأقول “أين ابن قلبي” إنها جملةٌ عميقة، أُنوّع لهُ في بداية رسائلي كي لا يُصيبَهُ المَلل مني.. لا، لن أبعثَ شيء، سأكتفي بالنظر لصورهِ.

الساعة الواحدة ألماً.. هو لا يعلم أني حينَ أشتاقُ إليه في آخر الليل أفتحُ صورهُ في الهاتف.. أتسكعُ بين طُرقاتِها، أقفُ لأُطيلَ النظر في أدقِّ تفاصيلِ وجهه.. أنشغلُ بحساب عدد شاماته، ثم أعدُّ رموشه وشعره.. واحد، إثنان، ثلاثة… إلى أن تنتهي الرياضيات، ثم أختارُ المسافات لأعبُرَ فوق دموعي وأضيعُ في مدينة حُبِّهِ من جديد.
يا لَجمالهُ.. كم يبدو ساحراً ومُبهراً بهذا القميص ذي اللون الأحمر الغامق “لأكونَ دقيقةً في وصفهِ فلونه يشبهُ لون حَبّة الرُمّان”.
أظنُّ أنهُ يحبُ هذا اللون، أنا لم أسألهُ وهو لم يخبرَني ولكني أتوقعُ ذلك لأنهُ يرتديه في أغلب الصور، حسناً.. أنا أيضاً سأُحِبُّ هذا اللون لأني أشِكُّ _لستُ مُتيقنَةً_ أنهُ لونُ حبيبي المُفضَّل.

الساعة الثانية خيبةً.. بتُّ غريبةً بين أهلي، مُستأنسةً بوحشتي، قانعةً بوحدتي، مُلازمةً لحيرتي، مُعتادةً لصمتي، مُحتملةً للأذى، يائسةً من جميع ما أرى… هكذا أنا بعدهُ.
اللعنةُ عليّ.. ليتني لم أقترب منه حينَ لمحتهُ أوّل مَرّة، ليتني بقيت أنظر لهُ فقط من بعيد.

سأتركُ هاتفي وأتمنى حقاً أن أترك هذا الروتين الإجباري الذي أفعلهُ كُلَّ ليلة أو هذهِ الدوّامة التي أدورُ بها كُلَّ ليلة.

سأنام.. الساعة الثانية والنصف شوقاً، لكن ماذا عن تلك الأفكار التي ستستقبلني في سريري؟ ماذا عن تلك الدموع التي ستتحررُ وتفيضُ بها وسادتي؟… ولكن رغم كُلِّ ما حدث وما سيحدث فأنا عندما أُفكِرُ بهِ يتجلى لي كُلِّ شيء على أنهُ نعيمٌ وسعادة، فالثورة تُصبِحُ نصراً، والغربة تُصبِحُ وطناً وحضناً، وخراب بلدي يُصبِحُ أمناً.. كُلَّ هذا بمجرد التفكير بهِ… قولوا لي بالله عليكم.. ماذا سيحصلُ بي إن التقيتُهُ؟

سأصفهُ لكم.. هو شيء رائع وفريد لدرجة أنني مُنشغلةٌ بأي خدشٍ يُصيبُ أصبعهُ أكثرُ من اهتمامي باندلاعِ حربٍ عالميةٍ ثالثة. هو ليس انطوائي كما يعتقد الأغلبية وكما يعتقدُ هو أيضاً.. فأنا أعرف حقيقة أمرهُ.. كُلُّ ما في الأمر أنهُ يختار الأشخاص الذين يُخالطهم بعناية فائقة ويتجنب مُخالطة الأغبياء السُذّج.

تباً.. لِمَ لا أنام فالساعة الثالثة والنصف سهراً، آهٍ آهْ.. إنهُ السهر الإجباري الذي يُرافقني كُلَّ ليلة.
في النهاية أقول.. إن حدثتموني ولم أُجِبْ أو قصّرتُ في شيءٍ ما فالتمسوا لي عُذراً فقد أرهقني حُبّ أحدهم…
الساعة الرابعة فجراً

 

(Visited 20 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *