د. احمد مشتت
في شهر تشرين الثاني من عام 2019 زرت العراق. في احد الايام وانا احاول الدخول الىمقهى الشابندر المعروف في شارع المتنبي ببغداد واجهتني سحابة كثيفة من الدخانذكرتني بضباب لندن ايام الشتاء.
لم استطع المكوث في المقهى اكثر من عشرة دقائق. كان معظم رواد المقهى يدخنون.
قلت في نفسي الايستطيعون ان يخرجوا بضعة خطوات الى الهواء الطلق ويدخنواسجائرهم مستمتعين بشمس تشرين وحركة الشارع حولهم.
شعرت بالاسف على الاشخاص الاخرين الجالسين في المقهى وكنت واحدا منهم، الذينلايدخنون وهم يستنشقون دخان غيرهم. هؤلاء هم ضحايا التدخين السلبي وهو استنشاق الدخان المنبعث من سيجارة مشتعلة.
يقدر ان في دخان التبغ المنبعث من السيجارة العادية يوجد نحو 7000 مادة كيميائيةو250 منها على الأقل خطرة، مثل: السيانيد، وأول أكسيد الكربون، والأمونيا، ولقد وجدأن ما لا يقل عن 69 من المواد الكيميائية المنبعثة من حرق السجائر التي يتم استنشاقهافي التدخين السلبي هي مواد مسرطنة لو استنشقت مثل: الزرنيخ، والبنزين،والبريليوم، والكادميوم.
نفس المشهد تكرر عند المساء وانا ادخل الى احد المطاعم وكان مكتظا بالعوائل. كان اغلبالبالغين يدخنون في هذا المكان المغلق بسبب البرد وكان هناك اطفال كثيرون يستنشقونسموم الدخان وسط ضحكات اهاليهم واستمتاعهم بالامسية.
ليس هناك أي شك الآن ان التدخين السلبي يزيد من فرص إصابة الأطفال بالربو وامراضالجهاز التنفسي مثل التهاب الشعب الهوائية، والالتهاب الرئوي، وتلوثات قنوات الجهازالتنفسي والأذنين. وقد يسبب اورام الدماغ عند الاطفال أما بالنسبة للرضع فقد يؤديالتدخين السلبي لحدوث ما يسمى موت المهد المفاجئ.
وخطر التدخين السلبي شديد ايضا على النساء الحوامل والاجنة.فهو قد يزيد منفرص وفاة الجنين بنسبة 23%. وكذلك يزيد من خطر إنجاب طفل بعيوب خلقية.
التدخين السلبي عامل خطر مهم للاصابة بمرض السرطان في اغلب اعضاء الجسمالبشري مثل الرئة، البلعوم، المثانة البولية، البنكرياس، الدم والعقد اللمفاوية، الكلىوسرطان الثدي والرحم. وكذلك له تأثير كبير على القلب والاوعية الدموية.
تاريخياً سميت عشبة التبغ بالعشبة المقدسة في القرن السادس عشر وراج استخدامهاكعلاج طبي لقرون مضت. وخلال تفشي وباء في لندن عام 1665 أُمِرَ التلاميذ بالتدخينفي قاعات الدرس للاعتقاد ان الدخان يحميهم من الاصابة بالاجسام غير المرئية التيتسبب الوباء.
وكانت شركات التدخين في اوئل القرن العشرين تروج للدخان على انه يحمي حناجرالمغنين والممثلين وتستخدمهم في ملصقاتها الاعلانية. واثناء الحرب العالمية الثانية كانتالسجائر جزءا مهما من التعيين الدوري الذي يستلمه الجندي.
بداية اكتشاف الانسان لخطر التدخين جاءت في سنة 1761 عندما وصف الطبيبالبريطاني جون هيل John Hill أول سرطان سببه التبغ ، وكان سرطان الأنف.
وفي سنة 1859: نشر طبيب فرنسي 68 حالة من سرطان الفم بسبب التدخين، واكتشف أنسرطان الشفاه يتكوّن في النقطة التي يلامس البايب أو السيجار الشفاه باستمرار أثناءالتدخين.
ازداد الوعي بمخاطر التدخين في الثلاثين سنة الاخيرة. وقامت دول عديدة بمنع التدخينفي المقاهي والمطاعم ووسائط النقل وهو اجراء حاسم في تقليل اخطاره وخصوصااخطار التدخين السلبي. حتى ان نيوزيلندا تسعى الى ان تكون اول بلد خالٍ من التدخينبحلول عام 2025.
ولن ادخل كثيرا في تفاصيل تأثير التدخين على البيئة. سأذكر فقط انه في عام 2015،أكثر من 450.00 كيلوغرام من النفايات السامة الناجمة عن تصنيع السجائر رميت فيالمجاري المائية الأمريكية.
وحسب بيانات منظمة الصحة العالمية يقتل التدخين نصف من يتعاطونه تقريباً. ويودي بحياة أكثر من 8 ملايين نسمة سنوياً، من بينهم أكثر من 7 ملايين يتعاطونهمباشرةً ونحو 1,2 مليون من غير المدخّنين الذين يتعرّضون لدخانه بشكل سلبي ( لاإرادياً).
اعداد المدخنين في العراق يزيد على 40 بالمئة من السكان وهذه نسبة مخيفة. ويقتلالتدخين عراقيا كل نصف ساعة.
لو ان الدولة العراقية ووزارة الصحة في العراق مهتمة بالحفاظ على حياة الانسان فانابسط اجراء ممكن ان تتخذه هو منع التدخين في الاماكن العامة مثل المقاهي والمطاعمووسائط النقل على الاقل لحماية الاشخاص غير المدخنين من سموم ليسوا بحاجة اليها.
ان تدخن هو حرية شخصية لك لن اجادلك فيها ولكن ان يتسبب دخان سجائرك باصابةمن هم بقربك والذين لايدخنون خصوصا الاطفال منهم بعلل فادحة فهو استهتار غيرمعلن بحياتهم .
