كتب المحرر السياسي للمستقل :
عملياً في العراق ثلاث دول حسب المناصب العليا. دولة رئاسة الجمهورية ودولة رئيس الوزراء ودولة رئيس مجلس النواب ، وقد شاء القدر الذي هو فوق المنطق والدستور والتقاليد السياسية في العراق أن تكون دولة الرئاسة كردية وهي ليست كردية بالمعنى الكامل لانها من حصة حزب كردي هو الاتحاد الوطني ، ودولة رئيس البرلمان للسنة العرب ، ودولة رئاسة الوزراء للشيعة العرب . وطالما أن التحاصص ملتبسٌ بين القومية والدين فلا التقسيم بين عرب وكرد ، لتكون حصة العرب العراقيين معروفة ولا التقسيم سنة وشيعة لتكون حصة الشيعة محددة مقابل السنة عرباً وكرداً . وفي الحالتين استولى السنة (عرباً وكردا ) على دولتين من دول العراق الثلاثة هما دولة رئيس البلاد ودولة رئيس البرلمان فيها .
وايا كان التقسيم فقد استقر حال الدولتين هاتين باستثناء دولة رئيس الوزراء التي يتنازع عليها السياسيون الشيعة فيما بينهم وسط ترقب وفرجة الفريقين الاخرين الذين رتبا شؤونهم سياسيا منتظرين تحالفات الأخوة الشيعة واتفاقهم على من يرأس دولتهم – دولة رئاسة الوزراء .
عند هذا المنطق لم تعد الانتخابات التي تجري في العراق سوى نزاعات بينية داخل المكون الواحد لنيل استحقاق قيادة المجموعة . ولانه بالنتيجة استخقاق مذهبي قومي وليس استحقاقاً وطنيا عاما ، يتمنع المتنافسون عن القبول بنتائج الانتخابات اذا خسروا ،وهو معتاد في كل انتخابات . بل اخذوا طيلة الثمانية عشر عاما الماضية يناورون ويوظفون التأويل اللغوي للدستور والقوانين رغم وضوحه . وابرزه تعريف الكتلة الاكبر .. هل هي الكتلة النيايبة ام الكتلة الانتخابية . رغم ان المنطق يقول لافرق بين الاثنتين .لان منع التحالفات التي تسبق تشكيل الحكومة وغلق اسواق انتقال النواب من كتلة الى أخرى يحل المشكلة .فالكتلة الانتخابية ستصبح ذاتها كتلة برلمانية بعد أداء اليمين الدستورية ، يقوم الرئيس بتكليفها بتشكيل الحكومة ، وهنا تبدا التحالفات من اجل نيل المئة وواحد وخمسين مقعدا لتمرير الحكومة . لان الكتلة النيابية التي هي ذاتها الكتلة الانتخابية الفائزة لن تستطيع تشكيل حكومة بل حتى فرض رئيس منها دون اقناع المئة وواحد وخمسين من بين مجموع النواب . وعليه فالتحالفات بعد التكليف هو المنطق الطبيعي .وهو لايغير في الأمر شيئا لأن الاصطفافات ستكون هي ذاتها لاختيار رئيس الوزراء وان لا حزب ولا شخص يمكنه التفاوض مع فصيل من مكون اخر دون اجماع المكون كله على ذلك.
فمن العبث والجهل الحديث عن تحالف – برزاني – صدري – حلبوسي . او مالكي- خنجر – فتح او اي تحالفات سياسية كهذه ، التحالفات بموافقة المكونات واقتناعها راضية مرضية . اين مكمن الخلل هنا ، مكمنه في أن اختيار رئيس الجمهورية الكردي سيكون من خراج هذه التحالفات فكيف يمكن اختياره وهو ذاته يكلف رئيس الوزراء بالاسم . هذا هو مايجعل الجلسة الاولى لمجلس النواب التي يديرها اكبر الاعضاء سنا مفتوحة الى امد طويل حتى يتم التوافق على جميع المناصب ضمن نظام المحاصصة الذي لم تغير منه الانتخابات ونتائجها شيئا جوهريا .
اختلاف الانتخابات الأخيرة عن سابقاتها يتمثل في الفارق الكبير بالاصوات بين الكتل .. حيث يتيح هذا الفارق البارز الى تغيير في الخارطة البينية داخل المكونات فقط ، الاكرد يسعون لتغيير وجهة رئاسة الجمهورية الى الحزب الديمقراطي الكردستاني مقابل ترتيبات مع الاتحاد داخل الاقليم ، والشيعة وتحديدا الكتلة الصدرية يسعون الى الاستحواذ حصرا على رئاسة الوزراء ، فيما يبقى النزاع بين كتلة تقدم والعزم داخل المكون السني مرهونا بدعم القوى القوى الشيعية لكل منهما في التحالفات المقبلة .
لكن النتيجة على أية حال ستمضي الى التوافق ، وربما اختيار رئيس وزراء توافقي يحفظ ماء الوجه للجميع، لأن الوصول الى رقم 151 داخل قبة البرلمان سيقطع الطريق على الكثير من الآمال .وان المصلحة العليا هي التي تحسم النتيجة كما حصل في مرات سابقة حين كان المالكي عام 2010 خيار الصدريين في مفاوضات الساعة الاخيرة رغم خلافهم معه، لكنه كان بالنسبة لهم بديلا عن قائمة اياد علاوي التي ضمت اشخاصا مثيرين للجدل مثل طارق الهاشمي الذين تم ارضاؤهما معاً بمناصب نواب لرئيس الجمهورية . ولعل القاضي فائق زيدان سيكون اسما قويا مطروحا لهذا الحل اذا لم ينجح الصدريون باقناع الشيعة اولا ثم الكرد والسنة بمرشح منهم كما هو معلن الان .