الخصخصة والطيور الجارحة وخارطة الطريق السعودية  *عارف العضيلة

الخصخصة والطيور الجارحة وخارطة الطريق السعودية *عارف العضيلة

شمال شرق

*عارف العضيلة

حين أطلق ولي العهد السعودي خططه الطموحة والأكثر جرأة في التاريخ السعوديوالعربي الحديث نحو تطوير الإقتصاد السعودي ورفع كفاءة الخدمات وتنويع مصادرالدخل .. وكفاءة الإنفاق العام .. والتخلص تدريجياً من الإعتماد على النفط كمصدررئيسي للدخل العام.

والتي كانت الخصخصة ركيزة رئيسية وهامة في هذه الخطط.

حين تم إقرار الخطط طاف ولي العهد السعودي الأرض شرقها وغربها. ليلتقي بأربابالمال وملاك أكبر الإمبراطوريات الإقتصادية في الكرة الأرضية .. ليعرض عليهم الفرصالإستثمارية والقطاعات الحكومية التي سيتم خصخصتها .. رغب ولي العهد يومها .. بنقل الخبرات العالمية إلى السعودية وكذلك إستقطاب رأس المال الأجنبي .. لتعزيز مكانةومتانة الإقتصاد السعودي ..

كان رأس المال الأجنبي هو الخيار الأول ولكنه حتماً ليس هو الخيار الوحيد .. أمام صانعالقرار السعودي. وهذا هو الذي لم يستوعبه ملاك الشركات العابرة للحدود والقاراتوالمحيطات.

لكن لماذا عزف المستثمر الأجنبي عن الإستثمار والإستحواذ على القطاعات الحكوميةالسعودية المعروضة للخصخصة؟. رغم التسهيلات الحكومية الممنوحة لهم!. ورغمالاستقرار السياسي الذي تتمتع به السعودية!. ورغم قوة ومتانة الإقتصاد السعوديةوجاذبيته الإستثمارية!.

السبب ببساطة يكمن في قوة المفاوض السعودي وقوة وصرامة الإشتراطات الذيوضعها السعوديون لحفظ حقوق وطنهم ..

الشركات العملاقة والمتخصصة في شراء الممتلكات الحكومية أو كما يسميها البعضالطيور الجارحةيسعون للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب مع أقل قدر ممكنمن المصاريف .. وتجارب الخصخصة في روسيا ودول أوروبا الشرقية .. كانت ناجحة جداًبالنسبة لهم .. لكنها كانت مخيبة لشعوب تلكم الدول ..

في بدايات إعلان مشروع الخصخصة في السعودية. شعر عدداً من السعوديين بالقلقوكتب المفكرون والإقتصاديون أراء متباينة تحذر من عواقب الخصخصة مستحضرينالتجربة الروسية. حيث بيعت الممتلكات والمرافق الحكومية للأجنبي أو لتابع الأجنبيبسعر بخس دراهم معدودات ..

وعانت روسيا كثيراً طوال حقبة التسعينات من ويلات هذه الأخطاء حتى كادت أن تنهارالدولة مطلع الألفية الجارية ..

وأستحضر السعوديون أيضاً. التجربة المصرية. وهي التجربة الأقرب بالنسبة لهم ..

التجربة المصرية في خصخصة الشركات والمرافق الحكومية لم تكن ناجحة بالقدر الكافي.. وكانت لها تداعيات كثيرة بالنسبة للشعب حتى وصلت ذروتها بثورة 2011م.

لكن صانع القرار السعودي لم يغب عن باله هاتين التجربتين وغيرها من التجارب. وراقببعناية تامة الأراء والتعليقات السعودية. وأستفاد من تجارب التاريخ بحكمة فائقة.

حتى ظهرت خارطة طريق للخصخصة أكثر أماناً وأكثر نجاحاً .. تراعي حفظ حقوقالشعب وتكفل للشركات حقوقها .. وتفعل دور الدولة بالرقابة والتشريع.

الشركات الكبرى تباطأت في قبول الطلب السعودي رغبة بالحصول على تنازلات كبرىمعتقديين إن التجربة الروسية ستتكرر في السعودية.

وسط هذا التباطئ لم ينتظر ولي العهد السعودي بصفته رئيس أعلى سلطة إقتصاديةسعودية (المجلس الإقتصادي الأعلى) طويلاً فالشعب ينتظر الإصلاحات وينتظر تنفيذالخطط الطموحة لذلك تم البدء بتنفيذ الخطة (ب) وبشكل سريع. لتكون رسالة هامةللعالم مفادها: (إن السعوديين لديهم بدائل أخرى نظير القوة الإقتصادية التي يمتلكونهاوالأرث الكبير من الخبرات الإستثمارية الناجحة التي أسسها وأداروها بنجاح كبير. وأنالسعوديين لن ينتظروا أحد. فقافلة الإصلاحات الإقتصادية تسير ولن يوقفها أحد).

يعلم ولي العهد السعودي يقيناً إن التجربة السعودية ستكون هي النموذج في الشرقالأوسط والعالم العربي لتطوير وتحديث الإقتصاديات فليس السعوديين فقط من ينظرإلى هذه المشاريع .. فالأمال العربية تنتظر بشغف هذا النموذج السعودي.

خارطة طريق الخصخصة السعودية تقوم على مبدأ أن يؤسس صندوق الإستثماراتالعامة (وهو الصندوق السيادي السعودي) شركات وتستحوذ هذه الشركات علىالقطاعات الحكومية المؤهلة للخصخصة. بعد ان يتم تقييم أصولها .. وفصلها الوزاراتوالهيئات الحكومية.

وتعمل هذه الشركات وفق إقتصاديات السوق المفتوح ووفق الأسس التجارية .. وفي ظلتشريعات ورقابة حكومية.

وتهدف أسس العمل في هذه الشركات الوليدة لرفع كفاءة الخدمات. ورفع كفاءة الإنفاقوتوليد الوظائف للسعوديين والسعوديات. والإستفادة من الخبرات الأجنبية والعربية.

وخلال الأربع سنوات الأخيرة أسس في السعودية عدة شركات مملوكة للصندوقالسيادي السعودي تولت تشغيل وإدارة عدد من المرافق العامة التي كانت تتولاها أجهزةحكومية. ومؤشرات نجاحها مرتفعة.

وتقوم خارطة الطريق هذه إنه حين تقوى هذه الشركات. وتبدأ بتحقيق النجاح المنتظروتحقيق الأرباح. يتم طرح هذه الشركات في سوق الأسهم السعودي. مع إحتفاظ الدولةبحصة من أسهم هذه الشركات.

هذا النموذج السعودي للخصخصة ستكون له عدة مكتسبات هامة أبرزها أن الشعبسيكون شريك رئيسي في عملية الخصخصة وهذا ما لم يكن موجوداً في تجارب الدولفي الخصخصة. كما إن هذه الشركات ستحافظ على هويتها السعودية. وبالتالي ستكونمرافق الدولة السعودية متاحة للمواطن للمساهمة بها وبالتالي له الحق في الإدارةوالرقابة. وفق بروتوكولات الشركات المساهمة.

وبالتالي لن يتمكن الأجنبي وتابع الأجنبي من الإستحواذ على المرافق السعودية بثمنبخس.

هذا النموذج سيبعد الطيور الجارحة والطيور السمان وسيحفظ التوازن العادلللإقتصاد .. وسيقوي سلطة الدولة الرقابية. وسيكون المجال متاحاً للجميع للإستثمار منخلال السوق المالية السعودية. بعد أن يتم تقييم سعر الشركات من قبل السعوديين.

هذه الهوية والنموذج الجديد للخصخصة هو الأكثر نجاحاً والأكثر أماناً للأوطان ..

بعد ظهور هذا النموذج شعر المفكرون والكتاب في السعودية أنهم يسيرون بالطريقالصحيح نحو التطوير والإصلاحات الإقتصادية وزاد التفاؤل إن الآثار السلبية التيأصابت المواطن والمقيم من قرارات الخصخصة كانت محدودة. وستزول مع الوقت ..

كاتب سعوديرئيس تنفيذي لدار مصادر للدراسات والأبحاث الإعلامية

(Visited 527 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *