رياض العلي – كاتب عراقي
هو ليس مذهب جديد في النقد بقدر ماهو سلوك بعض النقاد للكتابةعن بعض الاعمال الابداعية اما كنوع من المجاملة او بمقابل ماديوسبب النسبة للحذاء هو أن احد الادباء يعطي لمن يكتب عنه زوجاحذية من النوع الفاخر تقديراً منه لهذه الكتابة.
من اهم معالم الحداثة الاولى هو النقد حيث ظهرت بوادرها من خلالالكتابات التي تناولت ظواهر المجتمع السياسية والاقتصادية والدينيةوالثقافية من خلال مجهر النقد الذي لم يعجب الكثيرين في وقتها سواءمن قبل السلطة ورجال الكهنوت والنبلاء لكن مسيرة النقد استمرت بعدمخاض طويل وعسير وتحولت الى ثقافة تميز المجتمعات الحديثة .
ومن وظائف الناقد بيان الخلل ومواطن الجمال والتقييم والتقويم وفيمايتعلق بالنقد الادبي يفترض أن اي اديب حقيقي يجب أن يتقبل النقدحتى لو كان قاسي هذا اذا افترضنا وجود ناقد حقيقي، فالنقد هوجهد فكري منهجي يشتغل على النصوص ايا كانت ، ويهتم هذاالجهد بتفسير تلك النصوص وتحليلها وتقويمها ، ومن ثم اعادة قراءتهاعلى وفق رؤية يفترض انها تقترب من المنهجية الاكاديمية والعلمية ولكلناقد منهج ومدرسة ومذهب نقدي يتبعه .
واقولها بكل صراحة أن اي اديب لا يتقبل النقد عليه ان يترك الكتابةويبحث له عن اشتغال أخر او ان يبقي نصوصه حبيسة الادراج لايظهرها الا لنفسه لأن النص الادبي مطروح امام الجميع ويحقللجميع ان يقراوه كل بحسب قدرته ورؤيته سواء من طرف القارئ اوالناقد والكاتب الحقيقي هو الذي يستفيد من الكتابات النقدية الرصينةوالجادة .
ومن ازمات الوسط الادبي هي الكتابات النقدية التي تكتب كنوع منالتبشير بالنص او الترويج مدفوع الثمن بدون ان يكون النص المنقوديحمل اي مقومات النجاح او لنقل على اقل تقدير انه يحتاج الى نقدتقييمي وتقويمي بنفس الوقت وهذه الكتابات التبشيرية تقتل النصوتخدع القارئ في حين ثمة نصوص ادبية عالية المستوى لكن كاتبها لايملك قدرة على تكوين العلاقات التي تمنحه قراءات نقدية في حين انالناقد يفترض انه يبحث عن هذه النصوص ويقدمها للقارئ بدون ايمقابل بل بدوافع جمالية صرفة.
وثمة نقاد اخرين يكتبون النقد بعاطفة سياسية واغلب هؤلاء ممنيتعطى اليسار كمنهج سياسي وفكري حيث لاحظت ان بعض النقاداليساريين يحابون الكتاب ممن ينتمون الى نفس التيار السياسيبغض النظر عن جودة النص الادبي مما ادى الى شيوع الميوعةوالهزالة والتقريرية في الكثير من النصوص اليسارية .
في نادي الاتحاد تتم صفقات تحت الطاولة بين الكاتب والناقد واعتقدان كل الادباء والنقاد يعرفون هذا ، والغريب ان اغلب النقاد يحتفظبكتابات نقدية او مقدمات نقدية جاهزة يتم تركيب قراءة النصوصعليها لأنها –اي هذه الكتابات النقدية– تشتمل على جمل مطاطيةمجردة عامة تصلح لكل نص وهي مجرد بضاعة معروضة في سوقنخاسة النصوص لمن يدفع، ولن اتحدث عن الشللية التي تشيع فيهذا الوسط والتي يروج عنها بكونها علاقات صداقة وروابط اجتماعيةوهي في اغلب الاحيان كذلك وبسبب هذه العلاقات والروابط يتم تدبيجالكتابات النقدية وهي غالباً ماتكون محاباة او لنقل مجاملة من نوعاكتب عني كي اكتب عنك.
وبعض الادباء يجعلون من احدهم صنم ادبي لا يمكن المساس به لامن قريب ولا من بعيد بل يوصم من يوجه نقد تقييمي لمنتج هذا الصنمالادبي بعدم التذوق الادبي او عدم الفهم والمشكلة ان هذا الصنمالادبي يستمرئ هذه الصنمية ويتقبلها بكل رحابة صدر، واتذكر انيمرة كتبت عن قصيدة انشودة المطر للسياب وقلت ان مقدمتها الطلليةلاعلاقة لها بمضمون القصيدة العظيم فعلق احد النقاد المعروفينوشتمني وبعدها قام بحظري ولم استغرب مما قام به وهذا النوع منالنقاد لا يملك تلك الاستقلالية الفكرية التي يتوجب ان يمتلكها كل ناقدحقيقي.
ويتعكز بعض النقاد في كتاباتهم تلك على شماعة النقد الانطباعيحتى لو لم يكن هذا الناقد في مسيرته النقدية يتبع هذا المذهبالنقدي، وانا من انصار النقد الانطباعي لأني ارى ان الادب والفنبشكل عام يبتعد عن الموضوعية في الطرح وأن ثمة علاقة جدلية بينالمنتج الابداعي وصاحبه عكس ماتذهب اليه النظريات البنيويةوالشكلانية لذا فمن الطبيعي ان ننظر الى اي نص أدبي او منتج فنيبنظرة انطباعية لكن ليس على طريقة نقاد الاحذية .
وبعض النقاد تربطهم علاقات خاصة مع بعض الاديبات يتم الترويجلنصوصهن بكتابات نقدية باذخة لا تكتب حتى لاعظم الادباء شأناً وقدقرأت بعض هذه الكتابات النقدية واستغربت على قدرة هؤلاء النقاد فيبث الروح لنصوص تفتقد للكثير من مقومات الابداع الحقيقي .
لذلك ضاع النقد الحقيقي وسط كل تلك الفوضى العارمة ولم اعد اهتمبكتابات هؤلاء النقاد بقدر اهتمامي باراء القراء امثالي ممن يكتبونانطباعاتهم عما قراوه سواء في مواقهم الالكترونية او الصحف التيينشرون فيها تلك القراءات والتي هي الغالب بعيدة عن اي مجاملة،واتذكر قبل مدة ارسلت مادة وهي عبارة عن قراءة انطباعية لروايةعراقية رائعة جداً الى صحيفة عراقية مهتمة بالنقد فكان جواب المحررانهم لا ينشرون كتابات انطباعية وبعد ذلك نشرت المادة في صحيفةاخرى.
وفي الجهة المقابلة يعمد بعض النقاد الى تسقيط النص والكاتب معاًويكون الامر مثيراً اكثر لو كان هذا الناقد اديب هو ايضاً يشتغل نفساشتغال الكاتب الاخر، ومن اسباب هذا التسقيط قد يكون الحسدوالكراهية او ربما نوع من المنافسة غير الشريفة.
يذكر الكاتب (يوسف معاطي) أنّ النّاقد (رجاء النّقّاش) قال له مرّةً: ” إذا اتّهم ناقد مؤلّفًا بأنّه لا يعرف الكتابة، فهُناك احتمالان لا ثالث لهُما: إمّا أن تكون تعرف الكتابة وهو يظلمك، فلا تهتم. وإمّا أن تكون فعلاً لاتعرف الكتابة، وهذه ليس لها حل“
ورجاء النقاش هنا يفرق بين الناقد الحقيقي والناقد المزيف واخشىان نموذج علي جواد الطاهر وعبد الجبار عباس لم يعد موجودا بيننافي هذا الزمن وانا هنا لا اقدح في النقاد بقدر ماهو كشف للمزيفينمنهم.
ربما نحتاج الى نقد النقد لكن ليس على طريقة مراجعة القول النقديبل عن طريق مراجعة النقد التطبيقي وهذه الطريقة كفيلة بكشفالناقد المزيف.
لكن من يقوم بذلك؟
هو القارئ النوعي فادب الكاتب يوجب ادب القارئ كما يقول ادونيسوالعلاقة التفاعلية بين الكاتب وقارئه تبيح لهذا الاخير ان يقول ما يراهبحسب ذائقته وقدرته ودرجة تقبله للنص وهذا القارئ النوعي لديهامكانية للكتابة والبحث عن الاخطاء والهفوات والكشف عن الجماليةالتي ترضي ذائقته التي هي نتاج تراكمات القراءة.
واعتقد ان القارئ النوعي محصن من الميول والمزاجية في الكتابة عنالنصوص التي يطلع عليها لانه ليس لديه مصلحة مع الكاتب بل انأغلب القراء لاتربطهم علاقات اجتماعية مع الكتاب اللهم الا في مواقعالتواصل الاجتماعي وهذه الاستقلالية والحرية في القول هي التينحتاجها وسط هذا البحر الهائج من النقد الهزيل .