” مظفريات ” أسطورة سلام عادل

” مظفريات ” أسطورة سلام عادل

محمد السيد محسن – كاتب عراقي

 

“ما اقدر .. يوجعني قلبي” .. بهذه الجملة اجابني مظفر النواب حين سألته عن ذكرياته مع سلام عادل الامين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي والذي اعدم على يد البعثيين عام 1963 .
لقد ترك سلام عادل اثرا كبيرا في شخصية مظفر النواب , تأثر به كثيرا , ودافع عنه كثيرا ,وتكنى باسمه على الرغم من انه لم يتزوج , بيد انه لم يرثه شعرا الا بعد ان سألته عام 1995 عن سبب عدم كتابته قصيدة رثاء بحق سلام عادل , فأجابني : لقد فكرت مرارا وكنت اخشى اني لا اعطيه حقه , فهذا سلام عادل , التقيته مرة واحدة في حياتي وما زلت اتذكر كل لحظة من ذلك اللقاء, كلما ذكرت سلام يوجعني قلبي.
وفي اب من عام 1995 نظمت مكتبة الاسد امسية للشاعر مظفر النواب , فقرأ قصيدة لرثاء رجلين , عباس الموسوي الامين العام السابق لحزب الله والذي اغتيل من قبل طائرات الكيان الصهيوني في شباط 1992 , ثم تفاجأت بقصيدة رثاء للشهيد سلام عادل , اقول تفاجأت لأني تحدثت عن الموضوع قبل اسبوع فقط , ولم يبلغني انه بدأ بكتابة قصيدة رثاء سلام عادل , وهو لم يبلغني بكتابة قصائده لكن موضوع كتابة قصيدة رثاء للشهيد سلام عادل كان بتحريض من قبلي.
كنت منصتا كيف سيكتب مظفر عن الشخصسية التي تأثر بها , والتي يعتبرها الاولى في حياته بعد علي بن ابي طالب , فوجدته يصف ما توارد من اخبار عن صمود سلام عادل وكيف تم القضاء عليه بعد ان تعبت ايدي الذين يعذبونه فيما رسم هو اكبر مشهد صمود تاريخي في عالم التعذيب الحديث .
قال مظفر وهو يسرد حالة التعذيب شعرا :
لحظة ان سملوا عينيك العاشقتين
أضاء النفق المظلم بالعشق الأحمر
واحتضر الموت فقال رفاقك : لم تتوجع
الا رجفة صبر
وتوجع مما غار السفود بعينيك
والكون
وصاح الصمت
أدرت عماك المبصر للشعب
اعطيت بيان الصمت
——
هنا عرفت ان مظفر قد أدرك الطريقة التي يرثي بها سلام عادل , وهي ليست الطريقة المعتادة بل انه وصف مشهد الاستشهاد , وبذلك مزج بين التاريخ والشعر ثانية , فمظفر النواب متعلق بالتاريخ ولديه قدرة على استجلاب التاريخ في قصائده واطلاق التاريخ للتمثيل.
—-
قال الشاهدُ كنتَ كطفل يبحث عن شيء
وضحكتَ لمجهول
هذا المجهولُ أخافَ الجلادين
رأوا أنكَ كالطودِ الشامخ لم تهوِ
قبّل جبهتك النجف الأشرف وارتفع البيت
آن إذن صمتك كان سقوطَهم سلفاَ
لم يحتملوا أن تنظر بالسفودين إليهم
واقتادوك وظلَّ المشهدُ
ظلَّ مكانُك منتصب القامة
أرعبهم أن عماك يضاعف عينيك بدون حدود
أخذوك إلى الليل وهم يرتجفون كأنكَ أنتَ تعاقبهم
فعلا أنت تعاقبهم
فعلا أنت نهايتهم

في هذه الابيات كأن مظفر يتحدث عن اسطورة .. وهو يؤمن باسطورة سلام عادل
اقول وللتاريخ : لم اجد رجلا يجل ويحترم سلام عادل ويعتبره مميزا بكل شيء مثل ما كان مظفر النواب يرى سلام عادل , ربما لأنه كان يمثل بالنسبة له حلما تم وأده سريعا , حيث كان مظفر يشمئز من ذكر انقلاب 8 شباط عام 1963 وهو الذي اودى بحياة عبد الكريم قاسم ومنه تصفية القيادات الشيوعية وعلى رأسها سلام عادل .
اذكر ان حسن العلوي اتصل به يوما يدعوه لحضور حفل لمناسبة ذكرى 8 شباط , وابلغه ان هاني الفكيكي قدم من بيروت والان هو في الشام وانه سيتحدث في الحفل , اعتذر مظفر واغلق الهاتف ثم التفت الي حيث كنت جالسا عنده في شقته المعلقة بين السماء وعمارة في منطقة سبع بحرات في الشام , قال : يريدونني ان احتفل بيوم موتي .
كان هذا تعريف 8 شباط بالنسبة لمظفر , وان مظفر يحب عبد الكريم قاسم ولكنه لم يجله ويحترمه مثل سلام عادل ,
جدير ذكره ان سلام عادل دخل اسطورة ذاكرة العراقيين في قدرته على الصبر وتحمل التعذيب , وكان صبره دافعا لكثير من الشيوعيين ان تحملوا التعذيب , وصمدوا وحافظوا على مبادئهم الحزبية , بل ان الذين كانوا شاركوا في تعذيب سلام عادل من البعثيين والقوميين وقتذاك , كانوا يتباهون امام رفاقهم واصدقائهم وغرمائهم بانهم كانوا من المشاركين في التعذيب وما تسرب من اخبار من صمود سلام عادل كان عن طريق من ذهلوا وهم يعذبون الرجل ويجيبهم بالصمود.

لا نعرف أين دفنت
ولكن نسمع صوتك في الأمطار
وبين شجيرات الرمان
وأعشاش حفاة العمال
وساعة يولد للبصرة مولود
غسلوا كف القاتل من عينيك
وبعض قـبـّل مثل كتاب الله يديك
لابد مسحتهم من تاريخ بلاد النهرين
وستمطر يا سيد يا نائم في المجهول بلا عينين
يظهر قبرك بين العشب
—–

(Visited 30 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *