د. حسن السوداني – كاتب عراقي
تنحو الفنون التشكيلية في العالم اليوم الى ما يسمى بعصرنة الفن.. ومفهوم الفن المعاصر هو اتجاه فني تم بناؤه من ما بعد الحداثة ، حيث يقدم تعبيرات فنية مبتكرة وتقنيات تشجع التفكير الذاتي في العمل.وغالبا ما يرتبط مفهوم المعاصرة بمفهوم الحداثة الا ان هناك اختلافا بينهما فالمعاصرة ترتبط بالعصر، فتكون -بذلك- ذات دلالة زمنية، أما الجدة، فلا ترتبط بالزمن؛ إذ قد يكون الجديد في القديم، كما يكون في الحديث”، وبهذا يصبح مفهوم الحداثة مختلفًا عن المعاصرة، وتصبح الجدة منفصلة عن الزمن متجاوزة العصر.
وسعى الكثير من الفنانين العراقيين الى الولوج في موضوع المعاصرة ومن بينهم الفنان العراقي المغترب فلاح العاني والمقيم في السويد مركزا على ناحية المضماين وليس الاشكال.. فقد اشترطت قواعد الفن المعاصر أستخدام تقنيات تكنولوجية كجزء من مشروعها وهو امر لم يشغل بال العاني بل ذهب الى مناقشة القضايا الملحة التي تواجه الانسان المعاصر. وهي قضايا كثيرة ومهمة ومنها ما يهدد وجوده على هذا الكوكب كقضايا البيئة التي تشير اغلب الدراسات العلمية الى انها النذير الاخطر الذي يوجهننا اليوم في كل العالم.
التقط العاني هذا المعنى المهم وذهب يطوره في اعماله حتى غدت سمتها الابرز وباتت علامة يتابعها المتلقون باهتمام بارز.
ففي معرضه الشخصي الذي احتضنه غاليري ننار في مدينة مالمو السويدية يقدم فلاح العاني ثمانية اعمال باحجام مختلفة بينها عمل بمقياس 2متر x1.50حمل عنوان (الحقل) وحمل عملان اخران نفس العنوان مع اضافة الرقم 1و2 لهما.
في هذه الاعمال الثلاثة وبقية الاعمال ركز العاني على حجم الكارثة التي تواجهنا اليوم وما هو مصير الانسان الذي تستهدفه كل ملوثات المصانع والحروب والكوارث الصناعية.. انه قدر مخيف ان يترك الانسان رهينة اهواء وجشع العالم الراسمالي وتجار المال..
تتوسط معظم أعماله المعروضة اشكال الفزاعات غير انها تنضي عنها لباس التخويف الى لباس الترغيب والرحمة.. ففزاعات العاني لا تبث الرعب لدى الكائنات الفزعة من مطارديها بل تنثر الابتسامات لها وهي ترتدي لباس السهرة! هذه المغايرة المضمونية يريد فيها العاني ايصال مفهومه الخاص في ان الارض لابد لها ان تطرد العسس وتفتح الأبواب للنماء والتعايش السلمي.
في عمل اخر يدين العاني مفهوم الثلوث الذي تطلقه المصانع بما تخلفه من سحب سوداء تنذر بالموت الحتمي للكائن الحي.
ان هذه الفكرة المعاصرة التي يتبناها العاني تجعله خارج اطار الفن التقليدي ، فما عادت النواحي التزوقية في الفن ذات أهمية للجمهور المختص بل الانشغال بما يهم الناس ويدافع عن وجودهم مع مراعاة عدم الوقوع في فج المباشرة هو عين ما مطلوب في قضايا الفن الواعي في هذا الزمن الصعب. وهو مسعى بدات المدن الاوربية التسابق نحوهوبما يعرف اليوم (المدن صديقة البيئة) لادراكها ان لا حل امامها اليوم سوى اتخلي عن سموم المصانع والتمسك بالبيئة النظيفة ووضع القوانين التي تجد من التلوثوملاحقة المخالفين.
ان هذا الاتجاه في الفن , اي في تناول القضايا ذات العلاقة بوجود الكائن نفسه هي من اهم الموضوعات التي ينبغي ان تتبناها مجتمعاتنا العربية والعراقية في وجه خاص لما تعرضت له هذه البلدان من كوارث بيئية وزيادة في مساحات التصحر فضلا عن مخلفات الحروب المتعاقبة التي حلت بالمنطقة , وبالتحديد ما جرى في العراق في الربع الاخير من القرن العشرين وما تلاه من حروب كارثية, في بدايات هذا القرن, ولابد من توجه حقيقي ينشر الوعي بين الناس ويدق حرس الانذار الاخير لما تتعرض له مجتمعاتنا من خطر داهم.
الفنان فلاح العاني يدخل واثقا من ملوناته في مواجهة هذا التحدي ومدافعا عن حق وجودنا بما تحمله الكلمة من معنى.
ولد فلاح العاني في مدينة بلد / ١٩٦٧ ـ بكالوريوس فنون جميله / جامعة بغداد ١٩٩٢ ـ متخرج من المدرسة العليا للفنون /. السويد ٢٠١٣ ـ أقام العديد المعارض الشخصية في بغداد , دمشق. , و في السويد.
معارض مشتركة في كل من العراق, فرنسا ، ايطاليا ، ألمانيا ، الولايات المتحدة, الشارقة ، البحرين ، الأردن ، سوريه ، مصر. ـ
حاصل على عدة جوائز تقديريه من دائرة الفنون في بغداد وحاصل على الجائزة الثانية من وزارة الثقافة في بغداد عام ٢٠٠٦.
عضو في جمعية التشكيليين العراقيين ـ عضو في جمعية KI FiN لفناني مدينة Norrköping ـ عضو جمعية KRO / Stockhol