رياض العلي – كاتب عراقي
يروى عن المفكر المصري حسن حنفي أنه التقى المفكر السوري هاشم صالح في باريس.
فقال له: أنا لست مثل صاحبك (محمد أركون) ولا أمتلك ترفه الفكري ، فهو يستطيع أن يُشَرِّح التراث الفكري ويُفكُِّّكه كما يشاء ويشتهي ؛ لأنه جالس على ضفاف (نهر السين) ، حيث لا يخشى أي شيء، وأمّا أنا فجالس على ضفاف (نهر النيل) حيث يحاصرني الشارع والتقليديون الأصوليون .
فردّ هاشم صالح على حسن حنفي بالقول : “معك حق ، وأنا شخصياً لو ذهبتُ إلى العالَم العربي واستقررت فيه، لما تجاسرت على كتابة نصف أو حتى ربع ما أكتبه هنا في (باريس) بل لما تجاسرت على ترجمة ما ترجمته، فما بالك بالكتابة؟! فالمثقف مشروط بالوضع التاريخي والبيئة التي يعيش فيها، ولهذا السبب يهرب المثقفون العرب إلى الخارج لكي يفكروا بحرية”.
ويقول محمد المسيح من باب الفكاهة قدمت قصة بعنوان “فيل يطير” في لقاء الأمس مع نخبة من شباب الخليج المتنور؛ لنرى كيف كانت تتم عملية صناعة الخبر في العصر العباسي؟ لسد الثغرات التاريخية في السردية الإسلامية!
هل سَمِعْتُم عن فيل يطير؟
تقول هذه الرواية: يروى أن الخليفة أبو جعفر المنصور العباسي، كان يحب ابنه أبو عبد الله محمد المهدي حباً شديدًا، وكان حريصًا على تهيئته لخلافة المسلمين بعده، فأنشأ مدرسة خاصة لولي العهد، حتى يعلمه الحكمة والمعرفة، فكلف الإمام مالك بن أنس لتعليم الأمير أصول الدين والعقيدة، وفي الشعر والأدب كلف الشاعر الكبير عبد الملك بن قريب الأصمعي، وفي التاريخ والسياسة كلف صاحب السيرة النبوية محمد بن إسحاق.
في يوم من الأيام خرج الأمير المهدي من حصة حفظ القرآن وتفسيره عند الإمام مالك، وكان عنوان الدرس: “قصة أصحاب الفيل”، ثم دخل درس الشعر والأدب عند الأصمعي، وكان هذا الأخير يفكر في نظم قصيدة بعنوان “صوت صفير البلبل”، يصعب على أمير المؤمنين أبو جعفر حفظها من أول مرة يسمعها، لينال صاحبنا (الاصمعي) مكافأة عظيمة من الخليفة، بينما الأمير كان يفكر في قصة الفيل والطير الأبابيل؛ حيث ذكر له شيخُه الإمام مالك عن ابن عباس قال: ”كَانَتْ طَيْرًا لَهَا خَرَاطِيم كَخَرَاطِيم الطَّيْر”، وفي زحمة التفكير في خراطيم الطير، سأله الأصمعي عن اسم طير يغرد ويطير، طبعاً ليجيبه بالبلبل بطل قصيدته التي يفكر في نظمها، فرد الأمير بسرعة تحت تأثير قصة الفيل والطير التي لها خراطيم، فأجاب: “الفيل يا معلم”، فضحك الأصمعي قائلا: ” الفيل لا يطير يا مولاي”! فاشتاط الأمير غضباً من معلمه، وخرج يبحث عن ابن إسحاق ليسأله عن قصة الفيل الحقيقية، فوجده يصلي في ركن من أركان القصر، فلم يصبر الأمير حتى يكمل المعلم صلاته، فأسرع إلى غرفته وهو يشتم الجميع، فقطع المعلم صلاته لما رأى عليه حال الأمير، فركض إلى الأصمعي ليسأله عن سبب غضب ولي العهد، فرد عليه خائفًا: “سألته عن اسم طير يطير فأجاب: “الفيل يا معلم” فقلت له “الفيل لا يطير يا مولاي”، فغضب من قولي وترك المجلس”. فرد عليه ابن إسحاق بدهاء قائلاً: أليس من الأفضل أن يطير الفيل على أن يطير رأسك يا أحمق؟ فقال الأصمعي صدقت “والله العظيم إنه يطير”.
ويقول جون لوك إن ذلك الذي يوقن أنه يحوز الحقيقة ، ويقبض عليها بيديه ، وأن الحجج -وليس المَيل والخيال- هي التي تجعله واثقا في معتقده ، وهو مع ذلك لا يطيق معارضة رأيه ، ولا يحتمل الإصغاء للآخر ، أو تفحص رأيه ووزنه بالحق ، إن مثل هذا الشخص يحكمه التحيّز والهوى لا غير .
ويقول برتراند رسل قد تقضي عمرك كله وأنت تدافع عن افكارك ، ثم تكتشف انك كنت تدافع عن افكارهم التي زرعوها في عقلك .
وينقل عن جان جاك روسو قوله من الصعوبة بمكان أن يتحقق السلام بين شخصين يعتقد كل واحد منهما أن الله غاضب على الآخر.
ويقول غوستاف لوبون في كتابه المهم سايكولوجية الجماهير ولهذا السبب نجـد أن رجالات الدولة الكبار في كل العصور وفي كل البلدان بما فيها الأكثر استبداداً قد اعتبروا الخيال الشعبي بمثابة أكبر دعم لسلطتهم. فهم لم يحاولوا أبداً أن يحكموا ضـده. قال نابليون بهذا الصدد الكلام العميق التـالي في مجلس الدولة الفرنسي : «لم أستطع إنهاء حرب الڤانـدي إلا بعد أن تظاهرت بأني كاثوليكي حقيقي . ولم أستطع الإستقرار في مصر إلا بعد أن تظاهرت بأني مسلم تقي . وعندما تظاهرت بـأني بابوي متطرف استطعت أن أكسب ثقة الكهنة في إيطاليا. ولو أنه أتيح لي أن أحكم شعباً من اليهود لأعدت من جديد معبد سليمان»! ربما لم يفهم أي رجل كبير في العالم منذ الإسكندر المقدوني والقيصر كيف ينبغي جذب الجماهير والتأثير على مخيلتها مثلما فهـم نابليون فقد كان همه الأول والدائم الضرب على وترهـا وإدهاشها . وكان يفكر فيها أثناء انتصاراته وخطبه وخطاباته وفي كل حالاته. وحتى على فراش الموت كان يفكر في الجماهير ومخيلتها .
ويشرح عبد الله القصيمي أسباب تخلف المجتمعات العربية بمقارنتها بالحضارة الأوروبية بإختصار فيقول
إن هذه الشعوب قد تسنمت الذروة العليا في الصناعات والاختراعات والعلوم والآداب، ثم في المجد القومي الذي أعجز جميع المناوئين والمنافسين مع ما في عقائدهم الدينية من الضلالات والسخافات والترهات… لأن هذه الشعوب لم تبلغ ما بلغته في هذه الناحية القوية البارزة إلا بعد أن عزلت الدين جانبا عن كل ضروب حياتها الإجتماعية والفردية، وبعد أن حصرته في بعض الحفلات الرسمية والأعياد القومية، وبعض المظاهر الشعبية. . أما ما عدا ذلك فقد نحت عنه سلطان الدين بعيدا بعد أن علمت واقتنعت أن ما لديها من حقائق اعتقادية، ونصوص دينية، لايمكن أن يساير العالم الطبيعي، ولا أن يقضي على البحث الحر، ولا أن يرضى بالثقافة المطلقة الحرة المتناولة في كل مظاهر هذه الحياة وكل حقائقها.. فإن هؤلاء من هذه الناحية ملحدون إلحادا صريحا لا يشوبه شوب من الدين والتدين. ولأجل هذا احتاجوا إلى اختراع نظرية تعدد الشخصيات في الشخص الواحد الذي لا يتعدد، فزعموا أن الإنسان الواحد يجب عليه أن يلبس شخصية المؤرخ فقط عند كتابة التاريخ ويتجرد من كل شخصية أخرى، وشخصية العالم فقط عند البحث العلمي، وشخصية الأديب فقط عند الكتابة في الأدب، وشخصية المتدين المؤمن فقط حين الكتابة في الدين والايمان. وهكذا أوجبوا أن يكون لكل علم من هذه العلوم شخصية خاصة به.
ومن مقولات فرج فودة التي تختصر الكثير قوله الذي يقرأ ويفهم، سيحاورني .. والذي يقرأ ولا يفهم، سيشتمني .. والذي لا يقرأ ولا يفهم، سينتصر علي ،المتديّن هو من يهتمُّ بعلاقته مع إلهه، أما المتطرف فهو من يهتم بعلاقة جاره مع إلهه!
Thanks on your marvelous posting! I definitely enjoyed reading it, you can be a great authorI will be sure to bookmark your blog and definitely will come back down the road I want to encourage continue your great job, have a nice day!