بقعة ضوء الاخيرة
ياسين وامي
يتردد كثيراً الكلامُ عن العرب بوصفهم “ظاهرة صوتية” بغية التحقير، وهذا الكلام ليس بريئاً بالتأكيد وهو يدخل في إطار نظرية المؤامرة التي هي أيضا حقيقة غير بريئة وواسعة الانتشار.
هل يُقصد بترديد هذا العنوان إنّ العربَ أمةُ كلامٍ فحسب؟
إن كان كذلك فهذا توصيف حضاري متقدم يُحسب لهم لإن اللغة الحية المنطوقة دليل على الفاعلية الحضارية ومؤشر على حيوية صوتها وقوته.
هل يُقصد من إجترار هذه العبارة الإشارة إلى تاريخٍ عربيٍّ لا امتياز فيه سوى الصوت والكلمات؟
حسناً، ألا يعدّ هذا الامتياز إمتيازاً فعلاً؟!
هل يُقصد من هذه الفكرةَ الترويج إلى إنّ العربَ أمة أقوال لا أفعال؟
وهذه مزية اخرى فالأفعال المجردة من الأقوال إنما هي سلوك بربري وعمل من أعمال الجهل والحيوان؟!
أليس الشعر والنثر والمسرح والموسيقى مجرد ظواهر صوتية “فقط” بحسب هذا التوصيف القاصر؟!!
إن الذين ينظرون للعرب على انهم مجرد أصواتٍ نشازٍ وضجيج فارغ إنما يجهلون ما تمتلكه الأمة العربية من إرث ويتناسون ما قدمته في مجال القول والفعل ليس أقله ما كان لها من إنضواء أمم وممالك كبرى في نسيجها ومحاكاتهم للسانها وتتبعهم لمنجزها الإنساني والثقافي!
ألم تكن العربية لغة العلم والثقافة في أوربا لقرون؟
ألم تتمكن هذه اللغة بفضل مقدرتها البنيوية وما امتلكه أهلها من مركزية حضارية في بغداد من صهر الثقافات المختلفة والخيالات المتعددة في واحد من أروع الكتب في تاريخ البشرية “ألف ليلة وليلة”؟
شخصيًا أتقاطع مع الكثير من الظواهر الاجتماعية والثقافية لدى العرب وبالتأكيد مع سياساتهم وقياداتهم الراهنة بأنواعها لكن هذا كله على الرغم من أهميته ودوره في صناعة الهوية إلا إنه من الظلم تعميمه بوصفه الصورة الوحيدة لهذه الأمة.
إن كان العربُ ظاهرةً صوتيةً فهل غيرهم “وفقاً لذلك” صدىً لهذه الظاهرة؟
الإساءة على هذا النحو إنما إساءة مبطنة لا تقل سوءاً عن النزعة الطائفية والعنصرية العرقية إن لم تكن تمثيلا لهما.
* *”العرب ظاهرة صوتية” كتاب ضخم من تأليف “عبدالله القصيمي” صدر عام ١٩٧٧ وهو باعتقادي كتاب محشو بلغة إنشائية ولا يمتلك قيمة معرفية مهمة وأهم ما يثير فيه عنوانه، وقد أتى الكتاب فيما يبدو رداً على مواقف شخصية دون أن يستند في محتواه الأساسي إلى حقيقة جوهرية او رؤية منصفة وعميقة.