-1-
الاحرار من الناس تستهويهم المناقب بينما نستهوي العبيد الأموال والمناصب ..!!
-2-
ويُخيل لكثير من الناس اليوم أنَّ النزعة الماديّة الطاغية هي مِنْ مختصات هذا العصر ، بينما هي موجودة في كل عصر ومصر .
ألم تقرأ قوله تعالى ( وتحبون المال حبّا جمّا )
الفجر /20
قال سيد الأحرار الامام الحسين بن علي (عليه السلام) قبل قرون بَعِيدةٍ من الزمن :
( الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه مادّرت معائشهم فاذا مُحِصُوا بالبلاء قَلَّ الدّيانون )
-3 –
وتبلغ الحقارة ببعض المشغوفين بالمال الى درجة ازدراء الفقراء حتى اذا كانوا من أهل الفضل … ولا ذنب لهم الاّ قلّةُ ذاتِ اليد ..!!
قال أحدهم يصوّر ظَلامَتَه :
الناسُ أتباعُ مَنْ دامت له النِعَمُ
والويلُ للمرءِ إنْ زلّت به القَدَمُ
مالي رأيتُ أخلائي وحاصِلُهُم
اثنان : مستكبِرٌ عني ومحتشمُ
لمّا رأيتُ الذي يجفون قلتُ لهم :
أذنَبْتُ ذَنْباً ؟ فقالوا : ذَنْبُك العَدَمُ
فالفقير يجفوه حتى اخوانه فضلاً عمن سواهم .. وكأنَّ الفقرَ ذَنْبٌ اجترحه الفقير ..!!
-4-
انّ الفقر لا يعني ضمور الهمة وضعف العزيمة، فالكثير مِنَ الفُقراء عانوا من شظف العيش ألواناً ، ولكنهم استطاعوا أنْ يَتَفَوقُوا على زملائهم المترفين السابحين في بُحبوحَةِ الثراء والنِعَم …
اسمع ما قاله أحدُ هؤلاء الفقراء :
لَئِنْ قعدتْ بي قِلّةُ المالِ قَعْدَةً
فما أنا عَنْ كسبِ المعالي بقاعدٍ
وما أنا بالساعي الى الجهل والخنا
ولا عَنْ مكافاةِ الصديق براقدٍ
وما صاحبي عند الرخاء بصاحبٍ
اذا لم يكن عند الأمور الشدائد
فالفقر لا يمنع السعي الى بلوغ الذروة في العِلم والاخلاق والانجاز الباهر..
-5-
لقد عاشت الحوزات العلمية الشريفة ردحاً طويلاً من الزمن في ظِلِّ
أصعب الظروف وأشدها وطأةً ولكنّها أنتجت الفطاحل من الفقهاء والعلماء الأفذاذ .
-6-
ولستُ متحدثا هنا عن القرون الوسطى، بل عن أيام قريبة خلت :
حدّثني أحد نوابغ الفقهاء في النجف الأشرف أنه كُلّف بطلب مساعدةٍ ماليّة لطالب حوزوي ضعيف من مرجع ديني، فما كان مِنَ المرجع الاّ أنْ قدّم المساعدة بنصف دينار فقط ..!!
ان المراجع الكبار لم تكن لديهم السيولةُ المطلوبة فكيف تتوفر لباقي العلماء والطلاب ؟!
وقعت هذه القصة في خمسينيات القرن الماضي، والحديث ذو شجون .
-7-
وفي اواخر الستينات اضطرُ كاتبُ السطور الى بَيْع الكثير مِنْ كُتِبهِ ليتمكن من تسديد ايجار بيته، ولكنّ الظروف المالية الصعبة لم تُثْنِه عن مواصلة مشواره العلمي في جامعة النجف الأشرف بعد أنْ انهى دراسته الجامعية في بغداد
-8-
شعار لأحرار جاء منظوماً على لسان أحدهم وهو القائل :
ولستُ بشاربٍ مِنْ ماءِ وَجْهي
ولستُ بآكِلٍ شرفي وديني
وهنا يتجلى الفرق بين الأحرار والعبيد
الاحرار لا يبيعون ضمائرهم ، ولا يُريقون ماء وجوههم ، ولا يُساومون على دينهم وشرفهم مهما كانت الظروف ..
أما العبيد فهم سرعان ما ينبطحون أما أصحاب السلطة والثروة وينخرطون في كراديس الأتباع الذين يُنفذون ما يتلقون من أوامر أسيادهم دون توقف ..!!
وهذا هو الموت السريع ولكنهم لا يشعرون .
حسين الصدر
Husseinalsadr2011@yahoo.com