كلمة المستقل /  كرة القدم د. عبد الحميد الصائح

كلمة المستقل / كرة القدم د. عبد الحميد الصائح

د .عبد الحميد الصائح

لايمكنُ لأية ظاهرة أو نشاط فني اجتماعي أن يحظى بما تحصده لعبة كرة القدم من اقبال وجماهيرية . هذه اللعبة البسيطة القديمة التي تعد المشترك الاول بين الصغار والكبار بتشابه انفعالاتهم والاستحواذ على اهتمامهم بجميع اختصاصاتهم وأعراقهم ولغاتهم، حتى المتعارضين سياسياً حيث لايوجد انسان طبيعي لايشجع فريق بلاده وإن جارت عليه واصطدم بنظامها السياسي أو هاجر عنها وتلاقفته هويات بلدان اخرى. . هذه اللعبة لم تعد لعبة سوى أمامنا نحن الجمهور الذين تتحرك عيوننا وأعصابنا وراء الكرة الدائرية التي تتقاذفها الأرجل هنا وهناك بلا دلالات ولا بواطن ولا غموض أو ايحاء سوى ايداعها في شباك الخصم، فقد تعقدت الأمور في كواليسها كثيراً وطالها التوظيف والتطوير والتعقيد وآخر تقليعات التكنلوجيا والعالم الرقمي ، وتحولت الى بورصة أموال وبورصة سياسة واعترتها حمولات ورمزيات كثيرة من الاعتراف الدولي بحق الشعوب في المشاركات الى الكرامة الوطنية الشخصية..
ورغم سيل التهويل والتحليل السياسي والنفسي للعبة كرة القدم وتخصيص حقل لها بالطب النفسي الرياضي أو ماشابه الا أن الموضوع لايخرج عن الفكرة التقليدية في رؤية البطل البديل عن الذات وغريزة المغالبة التي يبدو فيها النصر جماعيا لكنه يتمثل في احساس فردي به من كل متفرج مشجع لهذا الفريق او ذاك .. فالرياضة التي هي لهو وابتعاد عن المسؤولية والوظائفية المباشرة للناس تتحول لدى المختصين بها الى مهنة و تجارة كبيرة ومصدر أساسي من مصادر الدخل القومي إذا ماعرفنا على سبيل المثال أنّ واردات بريطانيا ودول اخرى من ضرائب تذاكر مباريات كرة القدم وحدها تعادل ميزانية دول . بل إن العلاقات الدولية التي عادة ما يحكمها الاقتصاد والتوسع والتحالفات والتأثير المتبادل في شؤون مختلفة تأخذ كرة القدم حيزاً كبيراً وربما الحيز الاكبر منها. ففي الوقت الذي انشغل فيه الأروربيون والبريطانيون بتداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي كان مشجعو كرة القدم منشغلين بتاثير ذلك على كرتهم السحرية، مبارياتها، ملاعبها ، بطولاتها، نجومها حتى ظروف لاعبي الأندية الأوربية وتنقلاتهم وأموالهم وشروط عملهم، وهو ما ظهر من أجوبة طريفة خلال الاستفتاءات التي أجرتها وسائل الإعلام ، أن كثيراً من المعترضين كانت أسبابهم تتصل بتأثير الانفصال على مباريات كرة القدم وعلى تغيير شروط الاستقدام واللعب في الأندية البريطانية حيث لم يعد اللاعب الأوربي لاعباً محلياً يحق له التنقل متى شاء كما هو كائن قبل الخروج، بل سيعود التحكم عبر شروط أكثر تشددا . الخلاصة من ذلك أن كرة القدم تتحول في العالم اليوم الى عقيدة يفوق أتباعها اي فكر وأي اتجاه. وانها لم تعد لعبة بحكم الفطرة بل تحولت الى علم والى مستويات ومناهج ومدارس واساتذة ورواد وجامعات عليا في الإدارة والتدريب والإبداع،وأخذت تعكسُ مستوى تقدم البلدان ، فلايمكن لدولة بلا صناعة أو استقرار أو تقدم علمي ان تتقدم في الرياضة. واذا ما لاحظنا حال العالم، من هي الدول المتقدمة (في الرياضة )؟ ومن هي الدول المتخلفة؟ ،ستجد المتقدم منها متقدما في كل شي، وهو ما تكشفه وتفضحة كرة القدم باعتبارها أهم وأكبر كاشف لطبيعة الحياة شكلا ومضمونا في البلاد التي تمثلها.
ولذلك كانت اكثر صور الحياة حزناً في زمن كورونا هو وحشة الملاعب الفارغة بلا جمهور ولا تدريبات ولامباريات ، وأن بعودتَها لاسيما مع بطولة أمم أوربا المؤجلة من العام الماضي والتي تختتم اليوم في ملعب ويمبلي الشهير، بعودتها فقط يعلن العالم أن الحياة عادت كما هي بعد أن حاربت الدولُ المحترمة الفيروس الفتّاك بطرق وقوانين واجراءات طبية واقتصادية ومعيشية وعلمية فريدة ، خلافَ بلدانٍ مازالت تزحف في الأوحال، ليس لشعوبها من ذلك كله سوى رحمة الله في الحياة ورحمة الله الممات ، وكفى بالله حسيباً.

(Visited 12 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *