فارس آل سلمان
رئيس الهيئة الادارية لمنتدى بغداد الاقتصادي
تحاول الحكومة خفض الإنفاق في القطاع العام، ومواجهة بطالة 2.5 مليون عراقي فضلاعن انضمام 150 الف خريج جامعي سنويا لسوق العمل المتخم اصلا ليضافوا الى اعدادالعاطلين عن العمل.
ان وصول معدل البطالة الوطني إلى 16٪ دفع الحكومة للتفكير بتحويل هذا العبيء علىالقطاع الخاص. وهنا نتوقف لنسال هل القطاع الخاص العراقي الحالي مؤهل لهذهالمهمة؟
لنحلل الحالة ….
بعض الاحزاب تبنت التوظيف لشريحة من الشباب في مؤسسات الدولة، لاهداف مختلفةتتناسب وتوجهاتها، فضلا عن انعدام برامج تطوير ورفع كفاءة العاملين والموظفين بشكلفاعل، كما ان تفشي الفساد في بعض الادارات ادى الى عدم تنافسية المنتج و تكبيدبعض الشركات خسائر غير مبررة. كل ذلك ادى الى انخفاض انتاجية الموظف العراقيلمستويات خطيرة، حيث غرقت مؤسسات الدولة بالبطالة المقنعة.
كما ان انعدام الانتاجية بسبب عدم توفر مستلزمات الانتاج و اغراق السوق بسلع موردةادى ايضا الى تفاقم خسائر الشركات الحكومية.
فهل يجوز ان نلقي اللوم على هذه الشركات؟ ونحن من اهملها وماطل بحل مشاكلهاباسلوب علمي؟ بل وساهمنا بدفعها للموت من خلال اهمالنا لها لسنوات طويلة.
التحدي الاخر هو؛ هل يمتلك العراق حاليا قطاع خاص وطني قادر على تخفيف اعباءالدولة وتحمل المسؤولية التاريخية؟
كان هناك 30 الف مشروع على الاقل مملوك للقطاع الخاص قبل 2003 ورغم ظروفالحصار صمدت هذه المشاريع. وهي مشاريع مملوكة لعموم ابناء الشعب وليس هناكمبرر لاهمالها وعدم انقاذها و كانت تشغل اعدادا كبيرة من العمالة المحلية. الا انهاتوقفت كليا بعد 2003.
توقف هذه المشاريع جاء نتيجة للسياسات الخاطئة، منها تلك التي كانت تتذرع بمحاربةالارهاب والظرف الامني في حين كان الجنوب ينعم باستقرار نسبي.
كما انتجت بعض الاحزاب قطاعا خاصا عراقيا جديدا في غالبيته طفيليا، حقق ثرواتطائلة من خلال عمولات واساليب لا تخدم الاقتصاد ولم تحقق المنفعة، والدليل هو واقعالاقتصاد الحالي.
لذا كي نشرع بتصفية الشركات الحكومية لابد ان نمتلك قطاع خاص وطني مؤمنبمرتكزات الامن القومي العراقي ويمكن الاعتماد عليه، بحيث يقوم باستيعاب فيالقالخريجين الشباب الجدد الذين ينضموا سنويا لطالبي فرص العمل والتوظيف، من خلالخلق فرص العمل واستيعاب جزء او غالبية موظفي القطاع العام ايضا.
و نعود ونسأل ما هو الضمان ان يقوم القطاع الخاص الحالي بذلك؟ وهل هو مؤهل كينكلفه بهذا الواجب؟.
تقدر مستويات بطالة الشباب بنحو 36٪ من معدل البطالة الوطني
فهل سيؤمن القطاع الخاص العراقي الحالي الاستثمارات المالية و الانتاجية اللازمةلاستيعابهم ؟ لا نظن ذلك.
يعتبر بعض من يرسم سياسة الحكومة الاقتصادية ان الشركات المملوكة للدولة هي الثقبالاسود الذي يبتلع الانفاق الحكومي كونها تعتمد على المنح والمساعدات الحكوميةلتغطية نفقاتها الاساسية بضمنها الرواتب.
أحد الحلول المطروحه هو تصفية شركات الدولة غير المنتجة لتقليل تكاليف التشغيلالمتضخمة الناجمة عن الإفراط في التوظيف، ولخلق فرص عمل في القطاعات الإنتاجية. تعود ملكية هذه الشركات إلى 14 وزارة من بينها: وزارة الصناعة والمعادن، ووزارةالكهرباء، ووزارة النفط، ووزارة المالية. وكان الإنفاق على الرواتب والأجور 4.5 مليار دولارلحوالي 4.14 مليون موظف دائمي بضمنهم ما يسمون بالفضائيين.
حاولت هيئة المستشارين لعام 2015 إجراء إصلاح شامل يخفض من أعداد الشركاتالمملوكة للدولة، ويؤسس مراكز تدريب لبناء القدرات، واحالة 25% من الموظفين الىالتقاعد المبكر بهدف تقليص عدد العاملين بمقدار الربع.
جميل ان نسمع بانه يمكن تحويل هذه الشركات إلى فرص استثمارية جذابة عن طريقالشركة بين القطاعين العام والخاص. لكن هل ستُقَيم بقيمتها السوقية الحقيقية؟ هلستحتسب قيمتها السوقية الكامنة؟
اليس من الافضل ان نؤهل هذه الشركات عن طريق ابراز حصتها في السوق العراقي،اليس من الواجب استقطاب استثمار اجنبي متخصص حسب نوع و انتاجية كل شركةبهدف تطوير و تحديث خطوط انتاجها و توفير حاجة السوق المحلية من منتجاتها،فضلا عن نقل التقنيات الحديثة وسر المعرفة و تطوير مهارات وخبرات الكوادر الانتاجيةوتوفير فرص عمل، والاهم من ذلك تحقيق الربحية و الديمومة لهذه الشركات وضمانتطورها.
تاخرنا كثيرا وعلينا اختصار حلقات كثيرة لمواجهة تحديات المستقبل و تحديات الثورةالصناعية الرابعة ولا يتم ذلك الا بالشفافية والتنافسية وتحقيق مستوى متقدم من درجاتالحرية.
ان ايجاد شريك اجنبي كفوء و متخصص لكل شركة و منحها مساحة سوقيه لمنتجهاوحمايته من المستورد، سيكون كفيلا برفع قيمتها السوقية و تحفيز الشركات الاجنبيةللدخول في عمليات المشاركة مع هذه الشركات والنهوض بها. ذلك سيؤدي حتما لارتفاعقيمة اصولها و حيز ازاحتها في السوق وبالتالي رفع قيمة اسهمها، عندها سيصبحبامكان الدولة ان تقلص من حصتها في الشركات عن طريق بيع اسهمها للمواطنينوتحويلها الى شركات مساهمة مختلطة كمرحلة اولى.
ان استثمار المواطن في هذه الشركات سيكون استثمارا آمنا فضلا عن كونه سيساهمبدعم المنتوج الوطني وتعزيز الحرص على حماية الاملاك العامة والخاصة ويعززالانتماء والولاء للوطن.
اما ترك باب الاستيراد العشوائي مفتوحا بهذا الشكل فلن يؤدي بالعراق الا ان يكونسوقا لمن هب ودب، وعنصر كبح لاي صناعة وطنية مملوكة للقطاع العام ، المختلط،الخاص.
وخلال ذلك يتم خلق بيئة صحية لنمو قطاع خاص عراقي وطني كفوء مؤمن بالعراق، ولايمتلك ولاءات متعدده، فضلا عن تمكينه بحزمة تشريعات تنظم العملية الانتاجية وتضمنحقوق العاملين بعدالة وتوازن مع رب العمل.
لا سيما وان الاطار العام لخطة التنمية الوطنية 2018-2022 ركز على تحقيق التنميةالمستدامة، وتحقيق الرفاه، والعدالة، والامن، وحماية البيئة، والمحافظة على حقوقالاجيال القادمة، فضلا عن التاكيد على المشاركة مع جميع الشركاء. وقد ركزت خطةالتنمية على رؤية 2030 و التي هدفها الاسمى ان يكون العراق تنافسيا في ظل حكمرشيد يحقق العدل، و يضمن تكافوء الفرص للجميع.
وطرحت الخطة شعارا طموحا وهو: ارساء اسس دولة تنموية فاعلة ذات مسؤوليةاجتماعية. كما صنفت الخطة التحديات التي تواجه العراق بواقعية، و نصت مبادئهاالاساسية على التمكين المجتمعي، وتكافوء الفرص، فضلا عن التدرج في عملية التحولالاقتصادي. و تطرقت الخطة الى فلسفة الادارة الاقتصادية، والتي تضمنت الكثير منالاهداف الطموحة، ومنها الحوكمة الرشيدة بما يهيء لاعتماد نظام اقتصاد السوقالاجتماعي كمنهج للادارة الاقتصادية، والذي ينادي منتدى بغداد الاقتصادي منذ سنواتبتبني هذا النظام الاقتصادي على الاقل مرحليا قبل الذهاب بشكل عشوائي لاقتصادالسوق.
ان الركن الاساسي لاقتصاد السوق الاجتماعي هو ان يكون تَدَخُل الدولة فعال ومحايدوايجابي فضلا عن وجوب توزيع الدخل و المساعدات وفرض الضرائب بشكل عادل وذكيلضمان توزيع عادل بين شرائح المجتمع. اي اننا نحتاج وقبل الشروع بتطبيق هذا النهجالاقتصادي الى ابرام عقد اجتماعي جديد بين الطبقة السياسية وبين عموم الشعب،بحيث يتم تحديد واجبات وحدود صلاحيات اعضاء الحكومة ونواب البرلمان ويجبافهامهم بان تخويلهم ليس مطلقا وهناك خطة لها توقيتات وتشريعات تحتاج الى اقراراو الى تعديل بما يخدم هذا النهج الاقتصادي.
فضلا عن افهام النخبة السياسية بتفاصيل اقتصاد السوق الاجتماعي (نظام الرفاهالاجتماعي) وضمان ايمانها به واستيعابها له.
ويتوجب علينا ايضاح تعارضه مع العولمة اذ أن سيطرة الشركات العابرة للقاراتوالاحتكارات الغربية ودولها على نظام العولمة الرأسمالية ادى الى سيطرتها علىالفائض الاقتصادي وعلى الارباح الهائلة، والتي بدلا من استثمارها في تطوير البنيةالتحتية والتنمية الاجتماعية، تم استخدامها في المضاربات المالية والعقارية فضلا عنالتهرب الضريبي.
علينا حماية الشرائح الضعيفة في مجتمعنا من ايتام وارامل وفقراء واميين ومحدوديالدخل من انياب العولمة قبل ان نذهب لاقتصاد السوق. في حال نجحنا في حماية هذهالشرائح وتمكينها عندها يمكننا الذهاب لاقتصاد السوق باطمئنان.
ان المهمة الملقاة على عاتق رئيس الوزراء ليست بالسهله، فهي تتطلب اعادة تاهيلالمنظومة السياسية بما يحقق اعلى درجات الجدوى الاقتصادية للبلد. و التحدي الاخرالذي يواجه رئيس الوزراء هو ادارة الملف الاقتصادي بحرفيه عاليه لمواجهة التحدياتالعالمية والاقليمية والمحلية.
لذا اقترح عليه ان ينفتح على قوى الشعب لانه المالك الحقيقة للثروة والسلطة، وصاحبالحق الحقيقي بتقرير المصير، حيث الكثير من الخبراء والاقتصاديين والمخططينالستراتيجيين الذين يريدون بناء العراق باستقلالية دون ان يكونوا تحت مظلة اي جهة وبعيدين عن الاستقطاب.
ان النجاح في الملف الاقتصادي سياخذنا الى بر الامان الى حيث ضوء الشمس وهناكسيتم تطوير المنظومة السياسية و الخروج ببرنامج سياسي مبني على قاسم مشتركمقدس، هو الولاء للوطن.
ان عمل الاحزاب الحاكمة يتطلب منها النظر لمصلحة المجتمع بكل مقوماته و تحويلالحكومة من حكومة رواتب و امتيازات الى حكومة تنمية ديناميكية تضع مصلحةالمجتمع أولا و ليس المصلحة الحزبية.
اننا نواجه حتمية وجود حكومة قوية متماسكة، تتبنى مشروع اصلاح اقتصادي علميقابل للتطبيق. وادارة واعية مؤمنه و راغبة في تطبيقه بأخلاص.
هذا سيولد ثقة في الداخل والخارج و انتاج مناخ استثماري يحقق تنمية مستدامة توفربدورها ملايين فرص العمل الرصينة والحقيقية، وفي حال تمكنا من سد حاجة السوقالمحلية ربما سنبحث عن اسواق تصديرية.
ختاما نعتقد ان قرار تصفية الشركات الحكومية لا يمت بصلة للاجراءات و الحلولالستراتيجية بل يبدد المال العام و يعرقل اي امكانية مستقبلية للتصحيح والتقويم.
يجب ان نعي جميعا ان العراق على مفترق طرق اما ان يغطس بمشاكل اقتصادية لهاانعكاسات اجتماعية خطيرة او ان ينهض و يعود الى وضعه الطبيعي كعامل توازنواستقرار في مجاله الحيوي و محيطه.