الاهوار حكايات وأساطير وتواريخ قهر.. رسومات بيوت أصيلة 12

الاهوار حكايات وأساطير وتواريخ قهر.. رسومات بيوت أصيلة 12

12

نعيم عبد مهلهل / فرانكفورت

يوم كنا نستعيدُ قيلولة جان جينيه مع الشاي الأخضر في واحدة من مقاهي طنجة، قاللي صديقي المغربي: قبره هناك في مدينة العرائش حيث يقترب منه البحر بعيداً عنخداع موانئ اللصوص وصعلكة الزمن القديم التي يحترمها ديغول كثيراً فسماه(القديس جان جينيه).

وعندما ننهي طقوس السلام عليه، نذهب إلى أصيلة، فهذا موسمها الثقافي، فربماتصادف أصدقاء قدامى، ولكن الأجمل أن جداران بيوتها رسم عليها الرسامون من كلالعالم لوحات تشكيلية.

قلت: سنذهب، فلربما أجد لوحة عن الأهوار التي اشتقت إليها.

انحدرنا صوب أصيلة الواقعة جنوب طنجة على ضفاف المحيط الأطلسي بعد أن أخذتناوجمة المهابة على قبر جان جينيه في العرائش، ومضيت في استذكارات مسرحياته التيكنا نقرؤها في ذلك الليل البارد في الأهوار، وأتذكّر معلماً معنا كان يقول: هذا القديسيمنحك القناعة أن الابداع الحقيقي لن يكون رهناً بالوصول إلى أوراق الفهرس، فجانجينيه زرع كل تلك الحدائق دون أن يقرأ كتاباً عن الورد.

غادرنا العرائش، بدت أصيلة معانقة لأفق المحيط المتسع إلى أبعد من صدى شهية رؤيةالرسوم على جدران بيوتها البيضاء، فأتذكر ما كان يكتبه عنها البرتو مورافيا، أن منازلهاوحدها من تذكره بشفافية القمصان البيض على الرغم من أنها بُنيتْ من الحجر.

فأتذكر معلم الرسم الذي أتى نقلاً إلينا من المدينة بعد أن تشاجر مع مدير مدرسته حوللوحة له لامرأة نصف عارية رفض المدير أن يشارك بها في معرض المدارس، وكيف بهرهُالمكان وقرر أن يرسم على حيطان بيوت القرية المبنية من القصب، ولأشهر أنجز المعلمرسوماً جميلة، الجواميس، الأطفال، النساء وهن يحملن أواني اللبن والقيمر والطيورالمحلقة في سماء الماء والقصب وقد انحدرت في أفقها العميق مشاحيف الصيادين.

تذكرته وتمنيت أن أرى بيئتي يجسدها أحدهم على جدران أصيلة فأخبرني مرافقيالطنجاوي أن أغلب الذين يشاركون هم فنانون أوروبيون، وهذا العام هناك رسام بحرانيواحد، وآخرون لا تعرف جنسياتهم.

فرحت وقلت: ربما أجد في رسومات الفنان البحراني شيئاً من خيالات دلمون التي لها فيالأهوار حكايات وتواريخ وأساطير وأخيلة.

وصلنا، وسألت موظفاً في بلدية المدينة عن جهة البيوت التي رسم عليها البحرانيرسومه، فلم أرَ فيها سوى البحر والمراكب وملامح وجهوه سمر لصيادي اللؤلؤ.

قلت مع حسرتي: ليس للأهوار ودلمون مكاناً في أحلام هذا الرجل.

سمع أحدهم حسرتي وقال: سيدي سمعتكَ تردد كلمة أهوار.؟

قلت بذهول: نعم هل تعرفها.؟

قال: كلا عرفتها أول مرة من رسوم نقشها فنان من بلادك في حي الطرف الجنوبي منالمدينة.

صحت بلهفة: يا إلهي، خذني إليها أرجوك.

الآن أفاجأ بأهوار بلادي مرسومة على بيوتات مدينة أصيلة، ولأول مرة أرى مياه الأهوارالخضراء ممزوجة مع مياه المحيط الأزرق فتقفز إلى ذاكرتي جملة لوركا الشعرية: أحبكهكذا دائماً خضراء.

المفاجأة الثانية في المساء حين وقف كل فنان أمام البيوت التي رسم على جدرانها فيانتظار والي المدينة ووزير الثقافة المغربي لافتتاحها عندما رأيت وجهاً أعرفه تماماً يقفأمام الجدران التي حملت عطر المكان الذي غادرته منذ ثلاثين عاماً.

لقد كان ذاته معلم الرسم الذي صبغ جدران بيوت القرية القصبية بأحلى اللوحات

(Visited 22 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *