خيمة العدالة … وسام رشيد

خيمة العدالة … وسام رشيد

 

وسام رشيد

شهدت كربلاء في الايام الماضية حدثاً لاقى إهتمام اعلامي عربي ومحلي كبير، وهو محاولة نصب خيمة اعتصام مقابل احدى مقرات السلطة القضائية، في محاولة للتعبير عن إستياء عائلة المغدور إيهاب الوزني، وتتويجاً لجملة مطالبات شعبية واسعة بالكشف والقصاص من قاتليه، وبعد إنقضاء أربعين يوماً على حادث إستشهاده، بائت محاولة نصب خيمة الإعتصام بالفشل على مدى ثلاث أيام، لكنها إستقطبت الرأي العام في العراق على الصعيد الشعبي والاعلامي، ولم يقتصر الاهتمام على الناشطين المحتجين بل تصاعد بوتيرة عالية ليشغل معظم الفعاليات المجتمعية والسياسية، اذ رافق ذلك الكثير من الوقفات الاحتجاجية بمحافظات ومدّن عديدة، وغرّد المدونون على منصات التواصل الالكترونية، وصدرت العديد من البيانات المؤيدة لمطلب والدة الشهيد أم إيهاب في نصب خيمتها الإحتجاجية من أمام أحدى محاكم كربلاء، تلك الخيمة التي لم تصمد أمام إصرار القوات الأمنية هناك على عدم السماح بنصبها الا لبضع ساعات أو أقل من ذلك.
الرمزية التي حَمّلها الناشطون والمحتجون مع عائلة الوزني لهذه الخيمة كانت كفيلة أن تضع الرأي العام أمام عدة تساؤلات أهمها ما هو المتوفر من تطبيقات فعلية للعدالة على أرض الواقع!
وهل نحن أمام واقع جديد تفرضه السلطة ويرفضه المواطن عبر تشبثه بالخيمة التي تعصف في وجدانه الكثير من ذكريات الألم والموت والتصدي للظلم، ناهيك عن المعنى الذي يعتقد به الأهالي وتجربتها الدامية والحزينة في كربلاء منذ ثلاثة عشر قرناً من الزمان.
الأمم المتحدة كان لها مساحة وتواجد في هذا الحدث، وعلى خلفية تجاهل موظفين البعثة في العراق داخل مدينة كربلاء لصيحات ام الشهيد وتنبيهها لعرباتهم في نفس مكان الخيمة، زارت السيدة جينين بلاسخارت عائلة الشهيد في كربلاء وقدمت إعتذاراً عن ذلك التجاهل الذي تصدر قائمة الأحداث في الاسبوع المنصرم.
وزيارة ممثل الأمين العام للإمم المتحدة UN لعائلة المغدور يؤشر إهتماماً دولياً بأمر الكشف عن الجناة ومحاكمتهم، مما يعزز الدور الإيجابي لهذه البعثة في العراق.
عامل الإنتخابات أيضاً كان له أثر في تصعيد الموقف تجاه حادثة نصب الخيمة والبحث عن العدالة، فكثير من المراقبين يعتقدون إن على الحكومة ان تبرهن سيطرتها على السلاح المنفلت، أو السلاح غير القانوني، وحصره بيد مؤسساتها الامنية، الذي يشترط كثير من الناشطين والاحزاب التي خرجت من رحِم الاحتجاجات والتي اعلنت موقف المقاطعة او تلك التي لا زالت تتارجح في مواقفها تجاه المشاركة من عدمها وتنتظر فرصة تدفعها لاتخاذ موقف ايجابي تجاه قرار المشاركة ولن تجد فرصة لإثبات ذلك أفضل من إستغلال هذه الرغبات الجمعية للجماهير التي تطالب بالعدالة والقصاص وتحاول الاعتصام بتشييد خيمة الاحتجاج من جديد، والتي قد تتطور الى مجموعة خيام.
مسيرة البحث عن العدالة في العراق قديمة وطويلة، وهي لا ترتبط بالنظام الحالي أو الشذوذ في الاداء السياسي الذي يعيشه العراق والفوضى الأمنية في كثير من مرافق الحياة هنا، بل إن جذور فقدان الشعور بالامن، وسلطة الأمان رافقت هذا الشعب منذ عشرات السنين، وضيّاع الدماء وإطفاء شموع الحياة لمئات الالاف من الشباب في المقابر الجماعية والحروب الكارثية المدمرة هي محطات أصعب بكثير مما نمر فيه الان من صراع بين سلطة الدولة والا دولة، الا ان المواطن العراقي الان هو أشد تمسكاً بمبادىء العدالة وتطبيقاتها خوفاً من عودة هاجس الموت الجماعي، وانفراد السلطة، وتغييب رقابة الشعب، وقدسيتها وأهميتها لا تقف عند حدود عودة الاحتجاج أو الخروج بمظاهرة كبيرة.
رقابة الشعب تعني حياته وغيابها هو مشهد سوداوي يعلن عن موت فرص الحياة والمستقبل لابناء هذا الشعب.
القضاء على فرصة الافلات من العقاب وتحقيق الحد الادنى من القصاص وتوسيع ساحة العدالة بين الناس كفيل بعدم تكوين السلطة الغاشمة التي ان نالت من شعب فستقضي على ما تبقى من أمل في بناء عراق مختلف حتى وان في مخيلة الحالمين بوطن.

(Visited 29 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *