نماذج جدل بين العدل و فهم الذات

 

محمد صالح البدراني
نحب الظلم ونحب ان نظلم ولكن نكره الظلم حين يقع علينا
يستغرب الناس ان من يعدونه ظالما يتكلم عن مدى حبه للعدل والاصلاح والناس وخيرهم، وان من يرونه فاسدا واضح الفساد يتكلم عن الفاسدين والحرب على الفساد بكل حرقة يحترق بها من عانى من الظلم والفساد، فمؤيديه يتخذون تلك حجة لصلاحه ومنتقديه يتخذونها حجة لفساده، ولكن الحقيقة انه فعلا يتكلم بكل مصداقية مع نفسه رغم انه من نماذج الانحطاط والفساد، لأنه يرى الظلم حين يصيبه الظلم ولا يرى ما يفعله ظلما، وان ما يأخذه هو استحقاقه اما ان يغبنه زميل له بالفساد فذاك فساد على الجمهور ان يدعمه في قمع الفاسد هذا.
يذكر (دايل كارينغي في كتاب كيف تكسب الاصدقاء) نماذج من هذا النوع ويضرب مثلا من يلقب بذي المسدسين الذي يقتل شرطي مرور لأنه طلب رخصته ولا يكتفي بان يفرغ مسدسه فيه بل يأخذ مسدس الشرطي الميت ويطلق رصاصة علي الجثة بينما يكتب واصفا نفسه (في داخلي قلب كئيب رحيم، قلب لا يؤذي احدا) وعندما اعدم كتب (هذا ما جنيته لأني دافعت عن نفسي) وكان قتله للناس ليست جريمة ولا قيمة لمن قتل وهو مظلوم لانهم اعدموه……. هي سنة فرعونية سجلها القرآن الى يوم يبعثون (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)، ما اريكم أي ماهية ما اريكم هو الرشاد الذي اراه؛ لكن المحيطين والمنتفعين يذهبون الى ابعد من الحجة الى طلب القمع (وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ موسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ اذن موسى ﷺ مفسد يريد تغيير نمط حياة الناس المستقر تحت ربوبيته وقومه تململوا لرفض العبودية. {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ} فالظالم يرى من يريد ان يزيل ظلمه انه فاسد وانه يقلق حياة الناس، لأنه يرى ما هو عليه هو الامثل والناس راضية وليست خانعة خائفة، ولا يحس بما يعاني بنو اسرائيل من نير العبودية والامتهان فهو عرف ورؤيته ان يقتل منهم من يريد وان يكرم منهم كقارون من يريد، ومن الطبيعي ان يتبختر قارون ويتكبر ويتجبر وينكر حتى فضل الله عليه.
الظالم يرى ان منعه عن الظلم ظلما له
في المجتمع المتخلف لا تجد شخصا غير مقتنع بفعله، وان ما يفعله ليس صوابا بل ان عوتب او عوقب فانه واقع تحت الاضطهاد والظلم، حين تحارب في رزقك فلا أحد ينظر اليك أنك مظلوم، بل المهم ان وجودك قد يؤثر على ما يعتبرونه رزقا لهم حتى أصلحهم ضميرا لا يقل بلادة في احساسه عن حيوان الايل وهو يراقب اخوه تفترسه الضباع بوحشية.
ان ضياع الحق بين الناس تردي للآدمية، وان من رفعة الاحساس بالآدمية رفض الظلم، فما بالنا نحن صامتين في ضياع حق يتظاهر من اجله اوربيون مثلا، وهو لا يمسهم بل ربما يخالفون سياسات بلدانهم
لكي نكون عادلين علينا ان نضع أنفسنا موضع من نحكم عليه
هنالك عوامل تتحكم بالقرار منها نفسية ومنها تتعلق بالتربية ومنها ما يتعلق بالحاجة والحرمان وبعكسه البطر والنسيان، وللقرار قواعده الادارية ومنهجية القرار مهمة بانها عملية تتضمن دراسة الحالة وتصنيفها والنظر في الحلول والصالح منها للظرف ثم اختيار الامثل، وعند اختيار الامثل تتبين رجاحة القائد والاداري سواء كان في معركة او على مكتب، فالإنسان يتأثر بكلمة ومنظر، وابتسامة وبقعة دم، ومن القرارات ما لا يحتمل ويتطلب ممارسة وخبرة ، لهذا فان فكرة التقاعد الوظيفي لا تعني اكثر من انتهاء عقد وظيفي ضمن قوانين الادارة العامة، وليس عدم قدرة للانتفاع بخبرته، والعمر عند الدؤوب محض عدد، من الشباب الداخل للعمل لكنه موهوب وسريع الفهم بل يبدع في عمله لكنه في واقع عالمنا يتعرض للتسفيه والاحباط، وربما احد ادوار فعل الخبرة ان ينمي خبرة المستقبل، من هنا لابد ان تنظر في قرارات بها خلل او انها صائبة بان تضع نفسك محل متخذ القرار وانت تراجع حيثيات اتخاذ القرار لكي تكون منصفا ان لم تك عادلا.

(Visited 10 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *