د . نور الجابري
الحوادث التأريخية المميزة ، ذات البعد العقائدي في المسيرة البشرية ، تعد محطات تعبوية ، تنهل من معينها أجيال الغد ….عبراً ودروساً ، تؤخذ بنظر الاعتبار ، إذ تسلط الضوء على المحطات ذات البعد الحركي في تأريخ الأمم ، و تُبرّز عوامل الإخفاق والنكوص ، وكذلك عوامل القوة والنجاح المتمثل ، بما تحملة من مبادئ أنسانية وقيم تخدم المسيرة البشرية.
واليوم نعيش مرحلة صراع محتدم الوطيس ، بين قوى الخير ذات الطابع الأنساني المتمثل بالإمام الحسين ومايحملة من مشروع سماوي ، يتجسد في إحقاق العدالة…. الفضيلة…. والنبل ، قبال الظلم ….الرذيلة…. والخسة متمثلا ً… بمعاوية وأتباعه التاريخيين والمعاصرين !!! وسياسته المتمثلة اليوم بالأرهاب كالتصفية الجسدية لأتباع أمير المؤمنين علي ( عمرو بن الحمق الخزاعي ، حجر بن عدي وغيرهم ) وأتباع سياسة التجويع وحرمان الموالين من عطاء بيت المال ، وشراء ذمم المحدثين والوعاظ ، وكتابة تاريخ مُزّور يبعد ويشوه حقيقة أهل البيت عليهم السلام ، وكذلك شراء ذمم وضمائر بعض الوجوه الاجتماعية المعارضة للسياسة الأموية .
واليوم نحيّ أربعينية الإمام الحسين « ع » وأبعادها الموضوعية المؤثرة في الواقع المعاش .
البعد الأنساني : وما تحملة من معاني الخير والسلام لعموم البشرية ، بغض النظر عن الطابع الجغرافي ، والقومي ، والعقدي .باعتبار المشروع يحمل في جنباتة ، تطلعات المحرومين ، والمضطهدين ، ولذلك يعتبر رمزاً يقتدى بشعاعه .
تتغنى الشعوب الحرة برموزها كجيفارا … فيدل كاسترو .. مانديلا ، واليوم يقف الحسين ع بكل شموخ رافعاً راية الحق خفاقةً ترفرف وسط الشعوب المضطهدة هلموا الى الأنعتاق من طغيان الجبابرة المعاصرين ( عروشهم أوهن من بيوت العنكبوت ) . وهذا يؤكد أن أمة التوحيد تحمل بين جنباتها مشعلاً ، يضئ طريق الحق ، ويعد رمزاً تاريخياً يحتذى به .وخير دليل واقعي نشيد ( فرمندة ) أفقد توازن مشاريعم الهدامة التي تروم الى تمزيق وحدة الأمة ، وزرع الأفكار الشاذة والثقافات المستوردة ، التي يراهنون على الأجيال والبراعم الحديثة .
أذ التفاعل والحضور المليوني من مختلف شرائح المجتمعات البشرية والجغرافية ، تحت يافطة التحرر والإنعتاق من ربقة قيود الحضارة المزيفة ، ذات الطابع المادي ، والمصلحة الضيقة ، والتي جعلت من الأنسان آلة لا يقوى على تسديد معيشتة ، فضلا ًفي إرساء دوره المرسوم له من قبل السماء ، في تحقيق العدالة الربانية التي بعث بها جميع الرسل والأنبياء على امتداد عمر البشرية.
البعد التربوي : وما يحملة من أسس رصينة تنسجم مع المفاهيم التربوية الحديثة ، إذ أن المشارك في المسيرة ، يُلحلاظ التغير النفسي والأستعداد للتغير ، إذ أصبحت حالة العزوف عن العادات السيئة أمراً ملحوظا ً، كما أن المشارك يتمتع بشعور الغبطة ، ويتطلع الى أفق روحاني يعتريه ، خلاف الوضع السابق لحياته الطبيعية ، ويتجسد ذلك من خلال معطيات عدة تتمثل في التواضع ونبذ حالة الكبرياء والعجرفة ، والتسامح ورقة الحديث وغيرها، إذ نستشف من خلال ذلك….
أضحى الحسين « ع » مدرسة تربوية ، تجسد مبادئ جده المصطفى «ص» ( بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق ) في خلق أمة صالحة ، تنشد السلام والسعادة في ربوع المعمورة ، وذلك تجسيدا ًلشعاره الخالد( خرجت لطلب الأصلاح في أمة جدي ) الذي دوى في صحراء الجُدب الذي تعاني منه الأمة على أيدي بني أُمية ومشروعها المقيت ، في الأنقضاض على البنى والركائز الرصينة التي قام عليها الإسلام .
المحطات التربوية التي اُعدت من قبل المرجعيات ، على أمتداد السير…. والتي تزخر ببرامج تعليمية تتعلق بالأحكام والعقائد وكذلك المفاهيم ألأخلاقية ، أذ تُعد بحد ذاتها مشروعاً تعووياً وتثقيفياً ، قل نظيرة في العالم ، الذي يعيش حالة الرتابة والروتين القاتل للشعوب وبأبعادها من التقرب الى الخطوط الحمراء التي رسمت لها، وهذا يتجسد في المسيرة الربانية التي شقت طريقها لكي تكسر تلكم الحواجز المصطنعة وتفرض واقعا ً موضوعيا ً، يتسم بالبقاء والديمومة .
البعد التعبوي : المسيرة المليونية تجسد حدثاً تأريخيا ً، شد أنظار الباحثين والمهتمين في مجال التعبئة والإعداد الشعبي ، وهذه المسيرة تتمتع بأمتيازات خارجة عن المألوف.
المعروف ….ذوّي الأختصاص ،لديهم آليات ومعطيات في ما يتعلق بالأمكانيات المادية واللوجستية والأمنية وغيرها من المتطلبات ، التي تُحشد من أجل إنجاز هكذا مسيرة مليونية . أذ يفاجأون بأن مسيرة الأربعين أعدادها ذاتي ، تنظيمها ذاتي ، أمكانيتها المالية تتم من قبل الحشود الجماهيرية ،واللافت في الأمر أنها تُرفد ماليا ً من قبل الأوساط الفقيرة والمعدمة .
كما يلحظ أن الحشود تتجه وتصبو الى محطة واحدة ، ومن منطلقات شتى الأقطار والأمصار ، ومن جنسيات مختلفة ، وألوان متنوعة ، والكل يحث السير صوب قبلة الأحرار وملهم الثوار بذلك العطاء السخي ، الذي أذهل العالم الغربي ، ولا زال عطاؤه يتجدد على مر العصور والأزمان .
واليوم تنبري خناجر الطعن وسيوف الغدر المتمثلة بالتركيز المكثف على بعض السلبيات الصغيرة وأعطائها بعداً أنساني ، من أجل التقليل من أهمية ذلك الحدث المجلجل الذي يبعث روح جديدة في حياة الأمة التي تتعرض الى مشاريع الحرب الناعمة ( غسل الأدمغة … وأسداء ثقافة التحرر ومخالفة الفطرة ) .
أما فيما يتعلق بمعطيات زيارة الأربعين ، وحشودها المليونية ذات الطابع المنظم والممول ذاتيا ً، تلتقط كرسالة سياسة من قبل دوائر أصحاب القرار الدولي ، ومراكز الدراسات والبحوث العالمية ، أذ تؤخذ بالحسبان ، وما يترتب عليه من أبعاد وسياقات أستراتيجية جيوسياسة في المنطقة الملتهبة .
كما ان هنالك إنجاز عالمي ، متمثلاً بعقد مؤتمر نداء الأقصى الدولي ، ولدورتين وشعار المؤتمر نداء القدس والأمام الحسين ع ، والذي يحتضن المؤتمرين من جنسيات مختلفة ٦٥ دولة ، ويشارك في المؤتمر نخبة من العلماء والأكاديميين لغرض الخروج بتوصيات تسلط الضوء على القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى ، والذي تتعرض تلك القضية الأسلامية المحورية ، الى التآمر وبيعها في سوق المزايدات السياسية ، من أجل طمسها ونسيانها من قبل الاجيال القادمة . وهذا يعد خطوة متقدمة في الأعداد والتعبئة لتحرير الارض المغتصبة من النهر الى البحر . وتلاشي مشروع الغرب في الهيمنة ونهب ثروات المسلمين .
ومن المعطيات ، أضحت كربلاء عامل جذب ورغبة جامحة ، لدى بعض أعلام الفكر والأكاديمين من أجل دارسة ديناميكية المحرك الذي يفعل مفاعيله في إستقطاب تلك الجموع المليونية . ونذكر على سبيل المثال المفكر الروسي الكسندر دوغين مستشار الرئيس الروسي بوتين وغيرهم …
والجدير بالذكر هنالك عامل قوة أستراتيجية يقذفها الموقف الحسيني التوعوي ، إزاء الوقوف أمام مشاريع الغرب التسلطية ، المتعلقة بالحكام العملاء وموجة التطبيع مع الكيان الطاريء في المنطقة ، وأداة عصيّة تقف حائلاً في تمرير مشروع تجهيل الأمة وجعلها تغرق بالنزاعات القومية الشوفينية والطائفية …
أن الأرض يرثها عبادي الصالحون .