.
د. احمد مشتت
يبدو ان مناعة القطيع التي يرد ذكرها كثيرا منذ بدء جائحة كورونا الى الآن ، يبدو انهاهُزمت مبكرا بالضربة القاضية في سجالها مع الكوفيد١٩.
هي مثل الكومبارس ( الممثل الثانوي والهامشي) في العرض المسرحي الطويل للكوفيد١٩ والذي حاز على اهتمام الجمهور رغماً عنه.
نعم مناعة القطيع كومبارس ردئ لايُسمح له بالظهور على المنصة وليس له تاثير علىمجريات العرض الذي طال وارغمنا على مشاهدته رغم انه من اداء شخصية واحدة غيرمرغوب بها وغير مرئية وغير حية.
الكوفيد ١٩ له حظور طاغٍ بينما تنزوي مناعة القطيع في ظلام الكواليس ودهاليزالتاريخ.
تحدث مناعة القطيع عندما تكتسبُ نسبةٌ كبيرةٌ من المجتمع مناعةً لعدوًى معينة، إمابسبب الإصابة بها سابقًا أو بالتلقيح. وساعدت مناعة القطيع البشرية في السيطرةالفعالة على امراض فتكت بها في السابق مثل الحصبة وداء النكاف وشلل الاطفالوالجدري.
هل من الممكن تحقيق مناعة القطيع مع فايروس الكورونا؟
هذا هو السؤال الذي يطرح بدوره مزيدا من الاسئلة الشائكة.
كيف يمكن تحقيقها؟
ومتى ستتحقق؟
وهل سنصل فعلا الى مرحلة يكون فيها الفايروس ضعيفا الى درجة الاختفاء؟
من اهم صعوبات تحقيق مناعة القطيع ان الاستجابة المناعية مثلا بعد الاصابة بالكوفيد١٩ والمتمثلة في الاجسام المضادة هي غير دائمية.
اغلب الدراسات التي حققت في هذا الموضوع اثبتت ان مستوى الاجسام المضادة يبدأبالانخفاض بعد فترة ٦–٩ اشهر بعد الاصابة مما يعرض نفس الاشخاص الى خطرالاصابة من جديد.
وهناك ادلة اولية على حدوث ذلك حتى مع اخذ لقاح الكوفيد ١٩ ولهذا هناك مؤشراتقوية لاعطاء الجرعة التعزيزية الثالثة هذا العام وعلى الاكثر فاننا سنحتاج الى جرعةموسمية مرة او مرتين كل عام.
والمقلق في فايروس الكورونا انه يتحور باستمرار كلما سمح له بالانتشار وهناك خطركبير ان المتحورات تقلل من فعالية اللقاحات.
وهناك مشكلة كبيرة في عدم توزيع اللقاحات بشكل عادل ومتساوي في العالم.
فحتى لو تمكن بلد مثل بريطانيا من تطعيم ٧٠٪ من السكان للوصول الى الى مناعةمجتمعية فان بلدان اخرى مثل فيتنام مثلاً
وصل اللقاح فيها الى ١٪ فقط من سكانها مما سهل ظهور وظهرت سلالة هجينة متحورةسريعة الانتشار.
الدول الغنية تشكل ٥٣٪ من سكان العالم ولكنها تستحوذ على ٨٣٪ من حصة اللقاحاتبينما تشكل الدول الفقيرة ٤٧٪ ونسبتها من اللقاحات حتى الآن هي ١٧ بالمئة فقط.
وهذا يقودنا الى ادراك الصعوبة الفائقة في تحقيق تلك المناعة على مستوى العالم بوقتقصير.
بدأت الولايات المتحدة الامريكية باستخدام لقاح الحصبة في العام ١٩٦٨ وكان الهدف هوازالة المرض كليا في عام ١٩٨٢. رغم إنخفاض الحالات لكن الولايات المتحدة الامريكية لمتتمكن من السيطرة الكاملة على المرض وخلوها من الاصابات الا في العام ٢٠٠٠.
إذن الطريق الى مناعة القطيع بوجود فايروس كورونا سيكون مليئاً بالاحباطاتوالمصاعب.
اعلن بوريس جونسون هذا الاسبوع في خطابه في اجتماع مجموعة الدول السبعةوبريطانيا هي رئيس هذه الدورة ان هذه الدول الغنية هدفها الاول في تطعيم العالماجمع ضد الكوفيد ١٩ نهاية العام ٢٠٢٢.
التزام هذه الدول بهذا المشروع هو ليس اخلاقيا فقط ( لو افترضنا انها تحترم هذا المبدأ) ولكن الهدف الاهم انها تدرك ان عجلة الاقتصاد العالمي تحتاج ان يصل الجميع الىمناعة القطيع كي تفتح الحدود ويعود الاقتصاد الى حالته الطبيعية.
والمعضلة هنا؟ اولا هل أن هذا ممكناً ونحن نرى ان بريطانيا لحد الان لم تتبرع بأي جرعلقاح تزيد عن احتياجاتها للدول ذات الدخل المحدود او ماتسمى بالنامية.
وثانيا هناك تحديات اخرى تواجه هذه المهمة
مثل انتاج ملايين الجرع من اللقاح وتوزيعها، ايصالها الى كل مكان في العالم، وكيفتبدد شكوك الكثيرين حول اخذ اللقاح؟
اسئلة تولد اسئلة والاجابات غامضة او لم تولد بعد.
نحن في زمن علامات الاستفهام التي ستبقى تلاحقنا طويلاً
هل سنصل الى مناعة القطيع في زمن الكورونا؟
من الممكن ولكن هذا يحتاج الى زمن طويل وجهود جبارة وفهم اكبر لطبيعة الفايروسوتحوراته.
يبقى الكوفيد ١٩ هو الشخصية الرئيسية في هذا العرض الدموي الطويل ومناعة القطيعكومبارس لايحق له أن يقول أنا هنا بعد.