وسام رشيد
منذ اكثر من عام حين تسلم رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي رئاسة مجلس الوزراء خلفاً لرئيس مستقيل على أثر ضربات موجعة وجهت له في عموم ساحات الوسط والجنوب طالبت باستقالته ومحاكمته، وكان الكاظمي يعلم جيداً انه رئيس مؤقت فرضته المرحلة ليمتص كثير من المشكلات التي رافقت حكومة عبد المهدي المستقيل.
وكان يعلم أيضاً أن حدود رئاسته وقيادته ليست مفتوحة كسابقيه من الرؤساء، فهو لن يكون المالكي أو العبادي، ولاسباب موضوعية وعملية.
الرجل لم يُرشح نتيجة استحقاق أو تنافس سياسي يعتمد على ثقل برلماني او قاعدة جماهيرية او ارتباط عقائدي ديني، بل هو أبعد من أي توقع لاستلام موقع أقل حتى من رئاسة الوزراء.
الكاظمي يعي جيداً إن ساحات التظاهر كانت الركيزة الاساسية لترشحه، وكل المتابعين يتذكرون إن الساحات في تلك الفترة لم تعلن رفضاً قطعياً للكاظمي كما فعلت مع محمد توفيق علاوي، ربما كان هناك أمل يشوب من يضع بعض الافكار على المحتويات الرقمية المقرؤة بشكل واسع بأن الكاظمي مختلفاً من نواحٍ عدة، بل ان الكثير منهم سارعوا للالتحاق به بهدف مساندته لتحقيق برنامج يلبي مطالب الساحات، أو لاستلام مواقع ودرجات وظيفية قريبة تؤهلهم من المشاركة في القرار، وهذا ما حدث مع كثيرين.
لكن جزء من قراءة أخرى كانت ترى انه “مُرتهن” سياسياً لصالح كتلة سيكون منصاعاً لها بمقدار دعمه لها، وكانت التوقعات تتحدث عن الحكمة كون ان السيد عمار الحكيم هو الذي دفع بترشيحه واقنع الجميع بقبوله بما فيهم (الاحزاب المُسلحة): تلك التي تمتلك كتلاً سياسية وبرلمانية وقوات وتشكيلات عسكرية داخل اطار الدولة أي ضمن هيئة الحشد الشعبي، وخارجها كالفصائل المسلحة والمرتبطة بها.
لكن الواقع أتى مرة أخرى لينسف جميع تلك الحسابات، فاصبح رئيس الوزراء الجديد يميل لكتلة الصدريين، والسيد مقتدى الصدر شخصياً ، ولاحظ الجميع حجم التنسيق والتناغم في القرار السياسي والاقتصادي.
بدّى المشهد الان أكثر وضوحاً، فحدود ومساحة الكاظمي تزاحمت مع كيانات الاحزاب المسلحة وحلفاءها التقليديون، والمناصرون، والذين يشعرون بخطرٍ القادم.
والوضع الداخلي لا يسمح بأي صدّام مسلح بين قوى الدولة والمتزاحمين على بوابات السلطة، ليذكروا انهم قوة لا يُستهان بها.
ولا يمكننا ان نتغافل الدول الدولي والامريكي خاصة لاهميته، فقد ركنت الادارة الاميركية الجديدة الملف العراقي جانباً، وانشغلت بملف الصين والجائحة، والازمة الاقتصادية، مما اعطى هامشاً آخر من الحرية لإيران في المنطقة والعراق وفلسطين خاصة، ولعل قبول اسرائيل لوقف اطلاق النار مع حماس يأتي ضمن هذا البرنامج الاميركي الجديد في تحديد الاولويات.
الارتهان السياسي ومحاولة ايجاد طريقة لحفظ هيبة الدولة وتمرير بعض السياسيات لصالح العامة والمواطنين، وايقاف التمادي الاحزاب في كثير من محافل الدولة أمر صعب على الكاظمي ولا يستطيع وفق معطيات تنصيبه ان يكون قادراً على تنفيذها، الا بالمقدار المسموح له وفق املاءات معينة، وهذه المعادلة لا يمكن استيعابها من قبل عموم الشعب، والمتظاهرين ليس فقط في الساحات، بل على المواقع الالكترونية التي يتداول فيها الناس الشأن السياسي اكثر من أي اهتمام آخر.
الإختبار الأوضح والحد الفاصل بين الدولة وسياق الاحزاب المسلحة هو يوم الاربعاء 5/26
عندما حاصرت المنطقة الخضراء قوى تابعة للدولة افتراضياً، وبثت رسائل صريحه عن نيتها اعتقال رئيس الحكومة والفريق ابو رغيف احد المساعدين الامنيين لرئيس الوزراء.
واعلنت عن نيتها اطلاق سراح احد المعتقلين بأمر القضاء على خلفية اتهامات بالقتل.
هذا الاختبار وضع الجميع امام حقيقة كانوا يتهربون من البوح بها علناً، هو توازي قوى المليشيات مع قوى الدولة.
قوى تستطيع في أي وقت ان تقف بوجه أي مشروع يتعارض مع مستقبل ورؤية سياساتها وارتبطاتها العقائدية والسياسية.
وانا ارى انها محاولة انقلاب ابيض غيرت وجهة رئيس الوزراء وعطلت توجه قصائي ربما كان اكثر حزماً في التفتيش عن القناصين والقتلة الذين اجرموا بحق شباب الوطن المطالبين بحقوقهم سلمياً.
هذه حقيقة يدركها العراقيون الان اكثر من أي وقت مضى، وينظرون الى المستقبل بنظرة تشاؤم في ظل غياب المسؤولية تجاه مستقبل الوطن والمواطن.
وجميع المؤشرات تؤكد إن الصدِام مشروع قائم ليفتح الباب أمام سلسلة جديدة من الاحداث الدامية قد نشهد ونرى ونتوقع بدايتها، لكننا حتماً لن نستطيع قراءة نهايتها، لكنها لن تجلب سوى مزيد من الدمار الدماء.