مواويل جنوبية
# عبد السادة البصري
أن تكون كريماً هو أن تفرش للضيف الأرض رياحين محبّة بقدر ما تستطيع دون أن تذبل تلك الرياحين وتذروا المحبّةَ رياحُ اللامبالاة !!
ذات يوم قرأتُ تقريراً للأمم المتحدة ذكرتْ فيه الدول التي جاءت بالمراكز الأولى في هدر الطعام الفائض عن الحاجة ورميه في المزابل ، حيث جاء العراق في المركز السادس على مستوى العالم في معدّل هدر الطعام لكل شخص ،والبالغة كميّته ( 6 ) ملايين طن سنوياً ، أي بمعدّل 143 كغم لكل شخص ، وجاء في التقرير أيضاً من المتوقّع أن تصل كميّة الطعام المهدور إلى 7 ملايين طن سنوياً بسبب عدم وجود سياسات فعّالة لتقليل كميّة الطعام المهدور !!
حينها تذكّرت قصّةً قد قرأتها ذات يوم تقول :ــ أن أحدهم ذهب إلى أحد الفنادق للاتفاق معهم على إقامة حفل زفاف ابنه فيه ، وكان سؤاله لهم :ــ أين تذهبون بالطعام الفائض بعد الحفلة ؟! فكان جوابهم :ــ إلى المزبلة !
عندها أصرًّ الأب على تحديد كميّة الطعام وجعلها مساوية جداً لعدد المدعوين تماماً ، قائلاً لهم :ــ فيما إذا كان هناك فائض بعد هذا التحديد أرسلوه إلى الفقراء أو الجمعيات الخيرية لتوزيعه على المحتاجين الذين لا يحصلوا على ما يسدُّ رمقهم من القوت اليومي بشكل كامل ، وبهذا نكون قد وفّرنا على أنفسنا تعب رميه في المزبلة أولاً واستفدنا منه بشكل كامل وحقيقي ثانياً !!
فتساءلتُ مع نفسي :ــ لماذا لا نفكّر بالفقير أبداً ساعة استرخائنا وحين نطبخ ونقيم الولائم والعزائم وما شابهها عندما نرمي أطناناً من الطعام في المزابل باعتباره فائضاً عن الحاجة بعد هذه الوليمة أو تلك ، حيث ترتفع تلال القمامة والأزبال في كل مكان باعثةً الروائح العفنة وجالبةً الذباب والبعوض والميكروبات والجراثيم والأمراض وغيرها منادين أنقذونا منها ، دون أن نعي أننا السبب الرئيسي في كل هذا الخراب ؟!
هنا سيقول لي أحدهم :ــ الخير كثير فما بالك بهذا الكلام ؟! سأجيبه :ــ نعم الخير كثير ، ولكن الفقراء والجوعى أكثر ، وإذا زاد الخير ، هل يعني ذلك علينا أن نبعثره ونبدّده هنا وهناك ، بدلاً من مساعدة بعضنا البعض ، وبناء بلدنا اقتصادياً واجتماعياً بشكل أقوى وأكبر وجعله خالٍ من الفقراء والمعدمين ؟!
صحيح جداً نحن العراقيين كرماء ، ولكن لا يعني الكرم تبذيراً وإسرافاً في كل شيء ، لنكون من أعلى الدول في نسبة هدر الطعام وفقراؤنا يجوبون الشوارع والمزابل بحثاً عن كسرة خبز ؟!
علينا أن نحدّد ونقنن كل ما نصرفه من طعام وما شابهه كي لا نكون من المبذّرين والمسرفين الذين يرمون بخيراتهم إلى المزابل بلا مبالاة ولا الوقوف لحظة تأمل لما قد يحصل بعد ذلك !!
الذي نقوم به من هدرٍ كبير للطعام يجعلنا في خانة اللا مبالين بما يحدث من مجاعات وحروب ، ووقفة قصيرة عند تقرير الأمم المتحدة هذا تجعلنا نعيد حساباتنا ونضع كل شيء في ميزان القانون والسياسة المعيشية التي لا بدّ أن نسير على هديها كي لا نضيع ونكون السبب الرئيسي بهدر ثرواتنا وإيقاع الضرر باقتصادنا ، ثم نقعد متحسّرين نصفق كفّاً بكف ولات ساعة مندم !!
