مصر بين فساد الأبناء واحتكار الشركات… من يوقف هذا النزيف؟

د. سهير عماره

أبناء السلطة في ثياب رجال أعمال

في مشهد يتكرر منذ سنوات، نرى أبناء كبار المسؤولين وقد تحولوا بين ليلة وضحاها إلى رجال أعمال “ناجحين”. نجاحهم ليس بجهدٍ شخصي أو كفاءةٍ مهنية، بل هو نتيجة مباشرة لمناصب الآباء ونفوذهم.
• شركة [ر.و.د] التي ترفع شعار “ريادة السوق” والمقاولات وأخذ مناقصات بالأمر المباشر دون انتظار مناقصة أو دور في اخذ المشروعات الكبرى سواء داخل مصر وخارجها بل يمتد الأخطبوط إلى دول أفريقيا تحت اسم الأب (إ .م )ليست سوى وليدة منصب الأب .
• شركة [م.ت.ق] للاستيراد والتوريد وُلدت من رحم وزارة سيادية، لتحتكر عقودًا حكومية بلا مناقصات.
• شركة [إ.ك.هـ] في قطاع الكهرباء والطاقة، يملكها ابن وزير سابق، تُبرم عقودًا ضخمة بينما المواطن البسيط يغرق في فواتير مُنهكة.
• شركة [ب.س.ت] المرتبطة بنجل قيادي بارز في قطاع البترول، أصبحت اللاعب الأكبر في السوق بفضل صفقات سرية.
إقصاء الشباب وتعطيل أحلامهم

هذه الشركات التي تتغذى على نفوذ العائلات لم تترك للشباب الطموح أي مساحة للنمو. شباب دفعوا تحويشة العمر في مشروعات صغيرة، لكنهم اصطدموا بجدار الاحتكار والفساد. فكيف لشركة ناشئة أن تقف أمام مؤسسة يديرها ابن فلان أو ابن علان، وهي محاطة بالامتيازات والصفقات الحكومية؟
إنها ليست منافسة عادلة، بل إعدامٌ مبكر لروح الريادة لدى الشباب

مناصب تتحول إلى مفاتيح ذهبية

حين يصبح المنصب العام وسيلة لبناء إمبراطوريات خاصة، تتحول الدولة من كيان يحكمه القانون إلى “سوق نفوذ”.
• الآباء على الكراسي… والأبناء يجنون الثمار.
• الوزارات تتحول إلى غرف عمليات لتسهيل العقود.
• والمواطن هو الخاسر الوحيد.

إعدام مبكر لأحلام الشباب

أين يقف شباب مصر من هذه الصورة القاتمة؟
• مشاريع صغيرة تنهار أمام احتكار الشركات العائلية.
• مستثمرون شباب يهربون إلى الخارج بحثًا عن فرصة نزيهة.
• طبقة وسطى تتآكل تحت ثقل الفساد والمحسوبية.

إنها جريمة مكتملة الأركان ضد مستقبل الوطن.

شركات تُنهك الاقتصاد الوطني

ما الذي ينتج عن هذا الاحتكار الممنهج؟
• أسواق مغلقة تديرها نفس الوجوه.
• كفاءة مفقودة، وفساد متفشٍ.
• نزيف متواصل لرؤوس الأموال.

مصر اليوم لا تعاني من نقص الموارد بقدر ما تعاني من نهب الموارد.

ضياع الاقتصاد الوطني

حين تُترك مفاصل الاقتصاد في يد أبناء السلطة، فإن النتيجة واحدة:
• شركات تحتكر السوق بلا كفاءة.
• مشروعات تدار بعقلية الغنيمة لا بعقلية الاستثمار.
• هروب رؤوس الأموال الوطنية الشابة إلى الخارج بحثًا عن فرصة عادلة.

وهنا يكمن الخطر الأكبر: أن يتحول الاقتصاد المصري إلى أسواق مغلقة بيد قلة قليلة، بينما يظل ملايين الشباب حائرين بين الهجرة والبطالة

رأي الكاتب: إصلاح بلا محاسبة رُغي لا قيمة له

نقف اليوم أمام نظام اقتصاد فاسد بزعامة الوراثة والنفوذ، وليس الكفاءة. ما نحتاجه هو أكثر من إصلاح شكلي؛ نحتاج لثورة مؤسساتية:
1. تحقيق شامل في العلاقة بين منصب الأب واستثمارات الابن.
2. قوانين صارمة لمكافحة تضارب المصالح.
3. خلق بيئة اقتصادية عادلة تبدأ بـ قانون الكفيل الجامع: ممنوع تشغيل الابن بمساعدة الأب.
4. محاسبة علنية للأسماء التي تملأ السوق بامتيازات مزودة من نفوذ سياسي.

اليوم، نرى شباب مصر غارقين في تكديس ملفات القروض والروتين، بينما الأبناء السُلطويون يتسلقون إلى القمة بلا عناء. هذا فساد بنكهة سياسية، ويقود اقتصادنا إلى هاوية.

لقد بات واضحًا أن هذا الوضع لم يعد يحتمل. إن الحديث عن إصلاح اقتصادي أو جذب استثمارات لا معنى له بينما السوق محكوم بعائلات بعينها.
الفساد هنا ليس في السرقة المباشرة، بل في منظومة كاملة تُعيد إنتاج الامتيازات جيلاً بعد جيل.

نداء إلى سيادة الرئيس… قرارات حاسمة مطلوبة

سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي،
لقد حملتم على عاتقكم إنقاذ مصر في لحظات فارقة، وأعدتم هيبة الدولة حين تجرأ عليها العابثون. أنتم صمام أمان الوطن ورمز قوة مصر في الداخل والخارج. واليوم، نحن أمام معركة لا تقل خطورة عن الإرهاب: معركة الفساد والاحتكار.

الشعب يطالبكم، ونحن نثق في حزمكم وعدلكم، باتخاذ قرارات صارمة لا تحتمل التأجيل:
1. تشكيل لجنة رئاسية عليا لمراجعة عقود جميع الشركات التي يمتلكها أو يديرها أبناء مسؤولين سابقين وحاليين.
2. منع أي تعاقد حكومي مع الشركات التي يثبت ارتباطها بنفوذ أو واسطة عائلية.
3. إحالة الملفات إلى النيابة العامة وفتح تحقيق علني يكشف للرأي العام كل الأسماء المتورطة.
4. إصدار تشريع رادع يمنع تولي أقارب المسؤولين أي تعاقدات أو امتيازات من الدولة خلال فترة خدمة ذويهم وبعدها لخمس سنوات.
5. إطلاق مبادرة رئاسية لدعم المشروعات الشبابية الصغيرة والمتوسطة، وفتح السوق أمام الكفاءات الحقيقية بعيدًا عن سطوة “أبناء السلطة”.

الخاتمة: مصر ليست عزبة ولا ميراث

سيادة الرئيس،
لقد اعتدنا منكم أن تقولوا وتفعلوا، أن تعدوا فتنجزوا. أنتم الأمل في مواجهة هذا الخطر الذي ينهش جسد مصر. نعلم أنكم لا تتركون ملفًا إلا وفتحتموه، ولا قضية إلا وحسمتموها.

مصر ليست عزبة يتوارثها الأبناء، ولا غنيمة يتقاسمها النافذون.
مصر وطن يستحق أن يُدار بالكفاءة لا بالوراثة، وأن يُفتح أفقه لشبابه الذين هم طاقة الغد ورجال المستقبل.

الكرة الآن في ملعبكم يا سيادة الرئيس…
ونحن واثقون أنكم ستتخذون القرار الذي يحفظ حق الوطن، ويعيد الأمل للشعب، ويثبت أن مصر لا يحكمها إلا العدل والحق
فخامة الرئيس، إن لم تُحسم هذه المعركة… فالأرض ستُدار من خلف الستار، والأمل يُدفن في حنايا الفساد المتوارث.

✍️ د. سهير عمارة
“أكتب لأكشف… وأصرخ لأني لا أملك إلا القلم، حتى لا يضيع الوطن بين أنياب أبناء الكبار.


مشاركة المقال :