نعمان الغزي – لندن
في مساء الأربعاء، 16 من تموز 2025، وبينما كانت العائلات تتجول داخل مول الهايبر في مدينة الكوت، حدث ما لم يكن في الحسبان.
حريق مفاجئ تقول التقارير الأولية إنه ناتج عن تماس كهربائي في منظومة التكييف ، تحوّل في غضون دقائق إلى كارثة مكتملة الأركان. اللهب اجتاح الطوابق الخمسة بسرعة مرعبة، والدخان حاصر المتسوقين، بينما غابت أبسط شروط السلامة: لا إنذار، لا مخارج طوارئ مفعّلة، ولا معدات إطفاء كافية.
ما جرى لم يكن مجرد خلل فني. كان موتًا جماعيًا بالإهمال.
في المحصّلة ستون ضحية، معظمهم من النساء والأطفال، بينهم من تفحّمت جثثهم بالكامل داخل الحمّامات، حيث احتموا من النار. نحو 14 جثة لم يُتعرف إليها إلا عبر فحوص الحمض النووي.
الصور المسربة من موقع الحريق مؤلمة. رجل يبحث بين الركام عن طفلته، وأم تصرخ على عتبة رماد، وفرق الدفاع المدني تحاول بكل طاقتها وسط ظلام كثيف وسقف آيل للسقوط.
ورغم أن المول لم يكن قد افتُتح رسميًا بعد، فإن ما جرى داخله يشير إلى كارثة في منظومة الرقابة والسلامة والبُنى التحتية. تقارير ميدانية تتحدث عن تغاضٍ إداري ، ورخصة تشغيل أُعطيت دون توفر الإجراءات الأساسية للوقاية من الحريق.
هذه ليست أول فاجعة من نوعها. قبلها احترق مستشفى، وقاعة أفراح، وفندق… والسبب ذاته يتكرر
الفساد، الإهمال، وانعدام المحاسبة.
السلطات المحلية أعلنت الحداد لثلاثة أيام، وأُعلن عن فتح تحقيق فوري، لكن الشارع العراقي لم يعُد يثق بالتحقيقات. فالعبرة ليست في اللجان، بل في النتائج.
من منح الترخيص؟
من تجاهل فحص منظومات الإطفاء؟
ومن يحاسب الذين جعلوا من حياة الناس مادةً للاختبار؟
في الكوت، لم يودّع الناس أبناءهم فقط، بل ودّعوا فكرة الأمان. أن تذهب إلى مجمع تجاري مع عائلتك لا يجب أن يكون مقامرة بحياتك.
تقول امرأة فقدت زوجها وابنيها في الحريق “كنا هناك من أجل سترة مدرسية، فعدت إلى البيت بثلاثة توابيت.”
هذه العبارة وحدها تلخص ما هو أبعد من الأرقام.
العراق، البلد الذي ينهض كل مرة من تحت الركام، لا يستحق فقط الحياة… بل حياةً آمنة. حياة لا يُختبر فيها الناس بالنار، لا في المول، ولا في المستشفى، ولا حتى في المدرسة.
