د. احمد مشتت
وأنا نائم في خلفية سيارة الإسعاف، في الفسحة الوحيدة المتبقية من فضائها المزدحم بِيَطقاتمضمدي الوحدة الطبية وصناديق الأدوية.
وأنا غارق في لحظة إرهاق جسدي غير مسبوقة بعد ان أمضينا ثلاثة أيام في معركة ضارية من أجلاسترجاع قمة جبل أُخِذَت من الجيش في اللحظات الاخيرة قبل اعلان القيادة الإيرانية عن موافقتها علىوقف الحرب.
وأنا محاصر في جسدي الذي تضاءل حد الاختفاء في عتمة ليل السليمانية ورأسي الهش الذي تفادىشظايا وقذائف الأيام الثلاثة، رأسي الذي سقط شبه ميت على وسادة من بساطيل وخوذ من فقدناهم منجنود السرية الأولى التي أُبيدت حتى قبل ان تصل حافة الجبل.
وأنا مبلل بعرق الحرب وقميصي العسكري الذي حجب الهواء عن رئتي الصدئة من دخان القذائف الذيلم يتوقف.
وأنا على وشك الدخول إلى مملكة الأحلام والهروب إلى فنتازيا تنقذني من جنون الأعوام الثمانية من عمرالحرب.
امتدت يد خشنة وهزت كتفي:
دكتور
دكتور اگعد
الآمر يريدك
دكتور الله يخليك
الآمر جداً عصبي ويريدك
كان هذا صوت سلام مراسل آمر الوحدة.
شگد الساعة؟ كان هذا أول ما نطقت به. لم أكن متاكداً إن كنتُ حياً أَم ميتا. أردت أن أعرف الوقت لأنهبدا لي الحقيقة الوحيدة في ضباب اللحظة.
أجاب سلام بيأس ليس غريبا عليه
دكتور بالثنتين الصبح
الله يخليك تعال وياي
الآمر گال جيبه هسه
وطلع المسدس وحطه گدامه.
كان سلام يتحدث مرتجفا من الخوف الذي تسرب لي. نهضت من سباتي وزحفت على أثاث المفرزةالطبية الفاخر واصطدم رأسي بسقف عربة الإسعاف. كنت أنزف من الخوف.
لم أسأل سلام عن تفاصيل الرعب الذي ينتظرني.
هبطت من حلم لم يبدأ إلى أرض الكوابيس.
مشيت خلفه.
كان سلام يقرأ آياتٍ قرآنية أحسست وأنا أسمعها مقدار خوفه عليَّ. ونحن نقترب من مقر الوحدة الذيبني على عجل بعد انسحاب الوحدة من معركة خاسرة وباهظة الثمن، بدأت أسمع قذائف الوعيد تنطلقمن فم القائد الجنرال.
لم يكن قاموس شتائمه بحاجة الى مؤثرات صوتية. كان الجنرال وكرشه المتدلي قرب مسدسه علىالطاولة أشبه بممثل نسي حواره في أهم مشهد في المسرحية فقرر الاستعانة بذخيرته الحية. وقفتأمامه في عتمة كاملة.
كان هناك ضوء فانوس خافت.
نهض من كرسيه، فغطى ظله على شحيح الضوء القادم من الزاوية.
قال:
اعدمك
انت سبب خسارتنا للمعركة اليوم
اعدمك بدون محاكمة
اليوم
واحسست بلعابه يهدد الهواء الذي كنت بأمس الحاجة اليه.
بعد ١٠ ساعات من التحقيق تأكد للجنرال أنْ ليست لي علاقة بخسارة المعركة العسكرية.
كنت قد أعطيت جنوداً جرحى كثيرين، نزلوا من جبل الصدام، استراحات في مقر اللواء الخلفي.
وأرسلت جرحى آخرين إلى مستشفى السليمانية. كانت تهمتي أنني لم أُعيد أي جندي ليكمل مسلسلالموت على الجبل.
هذا كان سبب اتهام آمر السرية الأولى لي بأنني السبب المباشر في تسرب الجنود من المعركة.
دافعت عن موقفي وأتيت بالجنود الجرحى وكانوا طابوراً طويلاً من المنهكين. حقق القائد بدوره مع كلواحد منهم ليتأكد أنه ليس متمارضاً واستجوب جنود المفرزة الطبية وضباط الوحدة ودامت هلوستهالصباح كله
يتبع
