ناجي سلطان الزهيري
أغلب – إن لم يكن جميع – الذين كتبوا عن المفاوضات الأمريكية الإيرانية في عُمان ممن لهم موقف عدائي مسبق من ايران أو ممن يميلون إلى الآراء الأمريكية والإسرائيليّة أو اعداء إيران بالمنطقة والطائفيين ، سألوا سؤالًا محدداً ، كيف تفاوضت إيران مع من سمّته (الشيطان الأكبر) ، ولم يسألوا سؤالاً وجيهاً بالمقابل ، كيف فاوضت أمريكا (محور الشر) أو (قائد محور الشر) كما يسميه نتنياهو ، في الحقيقة ان كلا السؤالين من غير معنى وليس في محلهما عندما نتحدّث عن السياسة أو بالسياسة ، كما هو معلوم فإن السياسة ليس فيها عدو دائم ولا صديق دائم ، واصلاً إن التفاوض يتم بين خصمين ، وقد يكونا متحاربين وأثناء المعارك ، حتى خارج السياسة ليس هنالك مانع من التفاوض مع العدو ، حدث ذلك بين الأنبياء والكفار ، في اغلب الأديان ، ومع عديدٍ من الأنبياء ، بل ان الله سبحانه وتعالى أمر بعض انبيائه بالتفاوض مع الآخر الكافر الطاغي وأوصاه باللين ، أمر الله سبحانه وتعالى موسى وهارون عليهما السلام بقوله ( اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) طه
) ، وهذا تكرر ايضاً مع نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم عندما تفاوض مع الكفار ، والقرآن في قمة الروعة عندما أمر النبي الكريم بأن يستخدم اللين والمساواة مع الطرف الآخر ( وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)، التفاوض سُنّة بشرية تُقرّب وجهات النظر وتؤدي الى الإتفاق والسلام والوئام والإستقرار ، ولو حدث ان المتخاصمين دائماً مايلجؤون الى التفاوض لما حدثت الحروب والأزمات والعداوات ، أظن ان المذموم والمُدان هو الذي يرفض التفاوض والجلوس على مائدة الحوار وليس العكس ، إن استخدام القوة لفرض الإرادات وتدمير الشعوب والتعامل مع الآخر بدونية لايجلب إلا الدمار والدماء والكوارث ، وهذا مايحدث الآن وكما حدث في السابق في مواقع وأزمان مختلفة ، بعد الحرب العالمية الثانية نشأت منظمات إنسانية وحقوقية كثيرة كان الهدف منها منع الحروب والأزمات وفعلاً كان لها دورٌ ملموسٌ في منع استمرار الحروب واستخدام العنف والدفاع عن المظلومين من الأقليات الدينية والعرقية ، لكن وللأسف حدث أن كل هذه المنظمات ومنها الأمم المتحدة بكل تفرعاتها لم تعد مؤثرة ولم تعد مؤسساتها فاعلة بسبب تفرد أمريكا كقطب وحيد بعد تراجع روسيا وتفكيك الإتحاد السوفييتي السابق ، وصارت أمريكا لاتعترف بكل هذه المنظمات العالمية ولا بقراراتها ومناشداتها وتقاريرها، بل ذهبت أبعد من ذلك بالمشاركة الفعلية بعمليات الإبادة الجماعية التي ترتكبها اسرائيل في الحرب على غزّة من خلال تزويدها بأسلحة فتاكة وممنوعة دولياً استخدمت لقتل المدنيين والطواقم الطبية والصحافية وبالجملة وتدمير المرافق الصحية والإجتماعية والتعليمية ومخيمات إيواء اللاجئين التابعة لمنظمة الأونروا ، ( توصيف مايحدث بالإبادة الجماعية جاء من أعلى محكمة جنائية دولية ) ، رغم ذلك لم تعترف الولايات المتحدة الأمريكية بقرارات وتوصيات المحكمة الدولية وزادت على ذلك بمعاقبة المحكمة وحكامها في سقوط اخلاقي كبير لم يحدث من قبل ، لذلك وبعد كل ماحدث ويحدث لابد من الجلوس على مائدة التفاوض ، ليس هنالك حلول مهما كانت القوة والجبروت إلا بالتفاوض ، وهذا مايحدث الآن بين أمريكا وإيران، أمريكا استخدمت كل أوراق الضغط التي لديها ضد أيران لكنها لم تفلح ولم تمنع إيران من التقدم في صناعة الأسلحة وتطوير البرنامج النووي بل زادت على ذلك بتقنية الصواريخ والأقمار الإصطناعية والمسيرات ومراكز البحوث ، وقد لوحت بالحرب والتدمير لكنها تعرف بالوقت نفسه أن الحرب على أو مع ايران لن يكون نزهة ، وإيران ايضاً تعرف ان البقاء على العقوبات وهذا الحصار الصارم الذي تجاوز الأربعين سنة كان ثقيلاً على إيران الدولة وعلى شعبها ،وقد انهك الاقتصاد وهوى بالعملة ومنع استيراد الأجهزة الضرورية في الطب والتكنولوجيا ، وأثر على قطّاعات كثيرة في إيران ، بالنهاية أدرك الجانبان أن لا حلّ إلا بالتفاوض وتقديم التنازلات ، بالمناسبة لايتم الاتفاق بين أي طرفين متخاصمين إلا بتقديم تنازلات متبادلة وهذا أمر طبيعي ، وأرى أن هذا ماسيحصل وأن الطرفين يرغبان بحل دبلوماسي والابتعاد عن اجواء الحرب والعداء ، وسيكون لذلك تأثيرٌ ايجابيٌ على جميع ملفات المنطقة وشعوبها ، وأملنا أن لايكون هناك شيطانٌ ولا شرٌّ في منطقتنا والعالم فيما بعد.