فن القيادة بين الحكمة والقوة / اللواء سعد معن

 

اللواء سعد معن

القيادة ليست مجرد موقع في المقدمة بل رؤية ثاقبة تدرك متى تتقدم ومتى تراقب ومتى تحمي دون أن تثقل كاهل من حولها بالحضور الدائم. في عالم الذئاب لا يسير القائد في المقدمة كما يعتقد البعض بل يتخذ موقعه في الخلف يراقب ويوجه ويحمي بينما يترك للأقوياء المتمرسين قيادة المسار ويبقى الضعفاء في المنتصف ليكونوا في مأمن. هذا التوزيع ليس عشوائيًا بل استراتيجية تبقي القطيع متماسكًا وهو ما يفعله القائد الحقيقي حين يوازن بين فرض الهيمنة وإفساح المجال لفريقه ليكونوا جزءًا من القرار والمسيرة.

القوة الحقيقية لا تكمن في السيطرة المطلقة بل في القدرة على احتواء أصحاب الخبرة والقدرات العالية فالقائد الواثق بنفسه لا يخشى أن يُحيط نفسه بمن يملكون العلم والمعرفة بل يرى فيهم امتدادًا لرؤيته ويمنحهم مساحة للإبداع والتطور. البيئة القيادية الناجحة لا تُبنى على الخوف والتملق بل على التعاون والتكامل غير أن التحدي الأكبر يكمن في التمييز بين من يُضيف للقضية ومن يسعى لتكسير الآخرين لخدمة مصلحته. كثيرون ممن أحاطوا أنفسهم بالمتملقين فقدوا القدرة على رؤية الحقيقة فسقطوا دون أن يدركوا كيف حدث ذلك.

الأخطاء واردة في أي منظومة لكن الفارق يكمن في كيفية التعامل معها فمن يحتكم إلى العقاب الانتقامي يضعف فريقه ويخلق بيئة مشحونة بينما من يواجه الخطأ بالحوار والإصلاح يزرع الثقة والولاء. وقد أوصى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بهذا المبدأ حين قال اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به فالقائد ليس سلطانًا متجبرًا بل راعٍ لمسؤولياته ومن كان عادلاً رفيقًا نال ثقة من حوله وتفانيهم.

القرآن الكريم أكد هذا النهج بقوله فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فالقائد الذي يتعامل مع فريقه بالرحمة والتسامح حتى عند وقوع الأخطاء لا يفقد سلطته بل يعزز مكانته. وكما في قطيع الذئاب ليست القيادة في الظهور بل في ضمان أن يصل الجميع إلى بر الأمان بثبات دون أن يشعروا بثقل اليد التي توجههم.

اللواء الدكتور
سعد معن الموسوي


مشاركة المقال :


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *