من الطائفية إلى المواطنة: خطوات نحو عراق موحد ومستقر

فاروق الرماحي

لطالما كانت الطائفية السياسية حجر عثرة أمام استقرار العراق ووحدته. استُخدمت كأداة لتقسيم المجتمع وتعزيز السلطة، مما أفرز واقعًا من الانقسام والصراع. لكن بناء عراق مستقر يتطلب تجاوز هذه الانقسامات والتركيز على قيم المواطنة والعدالة بعيدًا عن المحاصصة الطائفية.ولمعالجة الطائفية السياسية في العراق تتطلب جهدًا متكاملًا على المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية. فالنظام السياسي القائم على المحاصصة عزز الانقسام، مما يستدعي إصلاحًا جذريًا يقوم على المواطنة بدلاً من الانتماءات الطائفية. ولا يمكن بناء دولة قوية دون قضاء مستقل قادر على محاسبة من يستغل الطائفية للبقاء في السلطة، كما أن إنهاء نفوذ الجماعات المسلحة التي تعمل وفق أجندات فئوية ضرورة حتمية. وهنا يأتي دور التعليم والإعلام اللذان يلعبان دورًا محوريًا في تفكيك الخطاب الطائفي، فمن الضروري إعادة صياغة المناهج الدراسية بما يعزز الهوية الوطنية الجامعة، إلى جانب دعم إعلام مسؤول لا يكرس الانقسام. والتوعية المجتمعية من خلال الندوات والأنشطة الثقافية يمكن أن تساهم في إعادة بناء جسور الثقة بين مكونات الشعب العراقي.وهنا لا يمكن تجاوز إرث الطائفية دون تحقيق العدالة الانتقالية، والتي تشمل محاسبة كل من تورط في إثارة الفتن الطائفية، وتعويض الضحايا، وإطلاق مبادرات مصالحة وطنية حقيقية تعيد اللحمة إلى المجتمع. كما أن تحسين الأوضاع الاقتصادية وخلق فرص عمل بعيدًا عن المحاصصة والانتماءات الفئوية سيساهم في تقليل الاحتقان الطائفي، فاليأس والفقر كانا دائمًا وقودًا للتطرف والانقسام.

العراق كان دائمًا وطنًا للتنوع، والطائفية ليست قدرًا محتوماً، بل ظاهرة مفتعلة تعززت عبر عقود من الاستغلال السياسي.

تجاوز هذه المرحلة يتطلب إرادة حقيقية من جميع الأطراف، ووعياً شعبياً بأن الحل لا يكمن في الانتماء الضيق، بل في بناء وطن يتسع للجميع.