الكتابة والتحليل السياسي باتا مهمة شاقة، تضعك في حيرة من أمرك، خاصة وسط الضغوط التي تحاول فرض قيود على النقد والمحاسبة.
إذا كنت من الجنوب، فهناك من يرى أنه لا يجوز لك انتقاد السياسيين الشيعة دون أن تشمل السنة والكرد الذين يشاركون في الحكم ويعرقلون برامج الحكومة.
وانتقاد السياسيين الشيعة يضعف دورهم في ادارة الدولة ،،هذه الحجة كلمة حق يُراد بها باطل. عندما تنتقد الأحزاب الشيعية، فإنما تفعل ذلك لأنك تريدها أن تكون نموذجًا صالحًا في الحكم ورمزًا للنزاهة، بحيث تجبر الآخرين على الاقتداء بها. فمن يسرق أهله لا يستطيع منع الآخرين من سرقتهم.
هناك جيوش من الفاسدين تهاجم أي انتقاد، معتبرةً إياه استهدافًا لقيادة الحزب و”الثورة”، تمامًا كما كان الحال في زمن النظام الصدامي، حيث يُصوَّر رئيس الحزب على أنه “زعيم قائد”، أو “حكيم زاهد”، أو “سيد راعٍ للإصلاح”، أو “مجاهد موالٍ”، ولا يجوز المساس به لأنه يحمل رمزية مقدسة في نظر أتباعه. وأي انتقاد لفاسد محسوب على هذا الحزب أو ذاك، يُعتبر مساسًا بهذه “الذات الطاهرة”!
هذه القدسية المبالغ فيها موجودة في الساحة الشيعية فقط، مما أدى إلى اضطهاد فكري أصاب النخب، فلم يعد بإمكان أحد انتقاد زعيم أو مسؤول دون أن يجد نفسه في مواجهة اللجان الاقتصادية وأذرع الفاسدين الذين أصبحوا يمثلون الدولة العميقة،
ويديرون جيوشا من الذباب التسقيطي ويتحكمون حتى في لقمة عيش الناس.
في ظل هذه البيئة الملغومة، انقسمت النخب إلى عدة فئات:
1. التابعون للأحزاب والفاسدين: وهؤلاء شركاء في الجريمة، يظهرون على الفضائيات متبجحين بإنجازات المسؤولين ، رغم الواقع المزري.
2. المنتقدون للمجهول : يتحدثون عن الفساد دون أن يحددوا جهة أو اسم حزب ، يشتمون الفساد والفاسدين بصفة “المجهول”، يتعمدون ذلك خشية المواجهة المباشرة اللجان الاقتصادية للاحزاب مع الدولة العميقة.
3. الحزبيون المتحيزون: هؤلاء يرون أن جميع الأحزاب فاسدة، باستثناء حزبهم وزعيمهم الذي يعتبرونه نزيهًا وشريفًا دونًا عن الآخرين.
لذلك إذا كنا فعلًا في بلد ديمقراطي، فإن الديمقراطية تضمن لنا حق النقد والمتابعة . وإذا كنا نرفع راية الإصلاح، فإن الإصلاح الحقيقي يعني بالضرورة محاربة الفاسدين وفضحهم، لا التستر عليهم.
اما اذا كنا موالين حقا لآل البيت كما ندعي فلنا بالإمام الصادق (ع) قدوة حسنة “رحم الله من أهدى إليَّ عيوبي.”
هذه رسالة موجهة لكل من يعتقد أن خياره السياسي العقائدي يبرئ ذمته أمام الله. لا تنجرّوا خلف الذباب الإلكتروني للدفاع عن الفاسدين، بل تمسكوا بالقيم العليا التي أرساها الشهيدان الصدران رضوان الله عليهما ، فهما المرجعية الفكرية لكل الأحزاب الشيعية.
ارجعوا إلى نهجهما في النزاهة والعقيدة والأداء، وأسقطوه على أي سياسي أو مسؤول، ثم احكموا عليه بإنصاف. لا تجاملوا أحدًا على حساب الحق، وابدؤوا بمحاربة الفاسدين في حزبكم قبل أن تحاربوهم في الأحزاب الأخرى، لأنهم أساؤوا إلى مبادئكم وزعمائكم قبل غيرهم.