107
حين عاد جنود الطبابة بعد ان سلموا جرحى الفوج الثالث في مستشفى السليمانية أعطانا خليل تقريرامفصلا عن الوضع في المستشفى.
– الجرحى مالين المستشفى حتى بالمراحيض… والجندي المضروب براسه خطية اعتبروا بالاصاباتالخفيفة، گالوا يتحمل ينتظر. وتنهد محمد محسن:
– الله يحبنا ماصعدنا هذا الجبل الاكشر
حان وقت الغداء و غمسنا جميعا في نفس الصحن وبقينا جائعين كالعادة وظل باسم يقضم ماتبقى منالخبز اليابس.
– لوائنا لو صاعد چان حسم المعركة.
قال باسم مقنع جدا وهو يتخيل صحن الطماطم الفارغ مليئا بالكباب والبصل.
تهكم خليل:
– جنود لواء 114 جلدهم أزرق.
وعقب سلام لإزجاء النهار الذي بدأ بالدم كالعادة
– لوائنا لو صاعد لجبل شاميران وبقيادات عسكرية حوك مثل النائب ضابط محمد محسن چان خلهالايرانيين يندمون تحارشوا بينا.
ورد عليه محمد محسن هازجا:
– عكال اليوكف ويه الباطل، يصلح قايش للماطور.
وانطفأ بهاء كليا على بقعته الموحشة ولم يتدخل في الاجتماع العسكري لقيادة فصيل الطبابة في تحليلالموقف المتأزم للحرب.
في اليوم الثالث حصل ما كنا نتوقعه أصابت صواريخ راجمة مقر اللواء الخلفي المكشوف تماما والذيكان تحت بصر الايرانيين المتحصنين بالجبل والمطلين على الوادي المنبسط المحاذي للشارع العامالمؤدي لناحية
دربندخان. أحسسنا بارتجاج الارض تحت اقدامنا وسكتنا. وانبعث دخان كثيف من المكان.
هرع الينا جنود كانوا قد غادروا المقر الخلفي قبل القصف بدقائق لتوزيع الارزاق في نقر اللواء
– دكتور لازم تروحون للخلفي انقصف.
صعدنا سيارة الاسعاف انا، كريم وخليل بدون تردد. حين وصلنا الى مقربة من المكان كان واضحا حجمالدمار بسبب القذائف ، اغلب الجنود الذين اصيبوا كانوا من جنود المطبخ وفصيل الارزاق، حملناالجرحى بسيارة الاسعاف
واقترح كريم:
– دكتور اني ومحمد نروح لمستشفى السليمانية وانت وخليل ارجعوا لمقر اللواء خاف يحتاجونكمهناك.
كانت المسافة من المقر الخلفي الى مقر اللواء حوالي الميل. اقترح خليل ان نتجنب الطريق الذي يربطالمقرين لانه سيكون هدف للقذائف واخترقنا الادغال التي غطت التلال القريبة من الطريق للعودة. سقطت بعض القذائف قريبة جدا منا واضطررنا للانبطاح على الارض لتجنب الشظايا الطائرة. كان خليليتحدث لي دون توقف لطمأنتي اننا سنصل
– دكتور لاتخاف، اني ما أموت بقذيفة ولا صاروخ، اذا مو بالسلاح الابيض فلا أقبل.
خليل المنحدر من الجنوب من عائلة كبيرة والذي بدأ حياته يعمل وهو في العاشرة من عمره في المسطرمع احد اخواله الذي عمل في البناء طيلة حياته وكان يحن على اولاد اخته وياخذهم معه للعمل. كانخليل اول الضحايا اذ كان يصحو فجرا للذهاب الى المسطر وكان الجو باردا ثم ان خاله كان شديداوقاس الطباع في العمل لا يسمح بأي خطأ او تكاسل. حين ينتصف النهار يعطيه خاله بعض النقود لشراءغداء لمجموعة العمل – خبز وطماطة، يضطر خليل للذهاب الى السوق البعيدة وحين يعود بالغداءيكون خاله والاخرين قد غطوا في قيلولة عميقة. أما هو فعليه ان يعاود العمل دون راحة. كان خالهيعتقد ان الشدة هي احسن طريقة لتعليم الصبي اصول البناء فكان يصيح عليه طوال الوقت. لم يحبخليل مهنة خاله. ولم يحب المدرسة كثيرا اذ كانت شبابيك الصف دون زجاج تسرب الهواء البارد ايامالشتاء والمعلمون قساة مثل خاله بالضبط يضربونه بعصى الخيزران ان اخطأ او لم يعمل الواجبالمدرسي. وكان مدير المدرسة غليظ الطباع كثيرا وكلما رآه في الساحة قال له:
– مايصير براسكم خير
وكان خليل يتسائل من هم المحظوظين الذي سيكون برأسهم خير من اقرانه ولم يكن يعتبر نفسه واحدامنهم. كان يرى نفسه في احسن الاحوال خلفة بناء غير موهوب وربما سائق تاكسي بين بغداد والناصرية. ولما كانت عائلته الكبيرة غير مهتمة بمصيره العلمي فقد انهى دراسته الابتدائية ومن ثم المتوسطة وهويجر الحسرات.
بالنسبة لخليل دخوله هذه الحرب لايفرق بالنسبة اليه عن حياته المدنية التي كانت هي ايضا ساحةحرب من اجل لقمة العيش والبقاء.
البقاء على قيد الحياة هذا ماتعلمه خليل ومارسه باصرار كل حياته.
يتبع