وليد خيون زاجي
الظرفاء لهم دائماً من حب الناس نصيبا عظيما , بوجودهم تتلطف الأجواء وبقصصِهم وبنوادرهِم تحلوالمجالسَ وتَتجّمل وعنهم يتناقل الناس السّير والأخبار ويقصّون القصص والطرائف ، ولكلّ شعب ظريفأو أكثر فكه خاص به ، فكان للعراق قديماً الجاحظ وأبو حيان التوحيدي وبديع الزمان الهمذاني وأبونواس و زيد بن الجون المعروف بأبي دلامة وغيرهم , ولا ننسى أشهر ظرفاء العراق جحا وأشعب ، وألفأدباء عرب كتبا كثيرة اهتموا فيها بالفكاهة والحمقى والبخلاء والظّرفاء منهم أبو عثمان بحر الجاحظ فيكتابيه (( البخلاء )) و (( اللطف واللّطائف ) وأبو الفرج الجوزي في كتابه (( اخبار الحمقى والمغفّلين )) وأبو حيّان التّوحيدي في كتابيه (( الإمتاع والمؤانسة )) و (( البصائر والذّخائر )) وفي (( المقابسات )) وبديع الزمان الهمداني في مقاماته الشهيرة وهي جنس أدبي أبتدعه الهمداني يعتمد على السجع فيقص الحكايات القصيرة ، فكانوا ندماء وقريبين على الخلفاء والامراء لصيقين معهم في قصورهمورحلات الصيـد , وقد أهتمّ هؤلاء الكتـّاب بالنّاس في أخطائهم وعثراتهم وكيدهم وحماقاتهم وبلاهتهموبخلهم وملاحة أحاديثهم ، فكانت تلك الكتب ملاذاً للترويح والتخفيف عن النفس ، كما ان طرافةالفكاهة شديدة الارتباط بالتحولات الّسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها أي مجتمع , فغزارتها في عهود وتراجعها في عهود أخرى تؤكد على هذا الترابط المتين .
ولبغداد الحبيبـة ظرفائها واشهرهم أبراهيم عرب , شخصية بغدادية عاش في عشرينيات القرن الماضيفي الاعظمية , وقد أتخذ من صدر مقهاه في منطقة الكرنتينا بالقرب من باب المعظم مكاناً لجلوسهيقص على زبائنه مغامراته وحكاياته .
ولسوق الشيوخ ظرفائها مع الاعتزاز بكل الاسماء ومنهم : السيد سعيد احمد النجار وياسر حسين عيسىالشويلي وجميل ملا هاني العتابي وحمدي خيون زاجي وصادق كاظم السنيد ولطيف عبد الرزاق غصابوعبد الامير سلطان الشدود ورستم عبيد الرويشد وجواد حمادي الدلي وصاحب حسن عبد الحسين الشيخلي ونجم عبدان حسين ابو عريش وجبار حسن هاشم أبو توفيق وفاضل مكي السعد المضمدوالسيد صالح هادي الخياط الحسيني وصبري ابو رطب الخياط وصبري الحلاق وعبد العظيم كوكز عليالصباغ وعلي حبيب مظلوم وجابر العامري ( الناو ) وحسين عبود الحجامي السائق وعبد الله ملا لفتهالساعي ونعيم المندائي والسيد باقر محمد الغريفي أبو جعفر وسالم شهيب حمد السنيد والسيد جابرحسين أبو رغيف ويوسف عبد اللطيف محمد الخالد وعباس السقا وصباح سالم الدلي وسلمان حسنجواد الناشي ( سلمان بديه ) وخليف طويره وشاكر عفلوك الحسيني وغني قاسم حسن المزيدي ومحسنابو خشم وأخرين .
هؤلاء الطيبين تركوا وراءهم أرثـاً واسعاً من النكتة والطرفة والحسجه والكلمة تناقلناه بعذوبه وبسعادة, رددناه في مجالسنا الخاصة والعامة ولا زلنـا ..
وهنا أذكر بعض من تلك النوادر والمواقف ..
ـــ من المعروف أن المرحوم ابو مثنى صاحب حسن الشيخلي لم يرتد الملابس العسكرية ابداَ , ولهموقف سلبي منها بعيدا عن السياسة ومفاهيمها وله كلمة شهيرة ( أذا المعسكر في بيتنا , سوف أنامبالفندق ) , وكان أسمه ضمن أسماء الهاربين من الخدمة العسكرية , وفي احد الايام فوجىْ بالعريفحسين الانضباط مسؤول مفرزة أنضباط سوق الشيوخ أمامه مباشرة , فأطلق ساقيه للريح والعريفحسين وجندي اخر في أثره , مـّر ابو مثنى كالسهم أمام أحد المقاهي فناده عليه أحدهم : (( ها صحوبيخير ؟ رد عليه ما كو شيء كاعد أدرب الجماعة 400 م بريد )) .
ــ أحد الظرفاء من سوق الشيوخ بعد زواجه عانى من تأخر الانجاب لعدة سنوات , فأشار عليه احدأصدقاءه بضرورة مراجعة أحد الاطباء الاختصاص في الناصرية , دخل الى عيادة أحد الاطباء في عكدالهوا ( الحبوبي ) وهو شاب ترجع أصول عائلته الى مدينة الجبايش , أمطره بعدد من الاسئلة التقليدية , وطلب منه أجراء مجموعة من التحاليل في المختبر المجاور للعيادة , بعد أنتظار ممّل , جاء بالتحاليلوقلبه يخفق قلقا وفرحا , تفحص الطبيب النتائج بطريقته المعروفة : قائلا مبارك عليك فالتحليل يؤكدعلى امتلاكك كذا مليار من الحيامن !! , ذُهل صاحبنا من العدد فَرد على الطبيب : (( دكتور شـنو أنا أريدأشـنّك زوري , أريد حيمن واحد بي حظ من هاي ملياراتك )) غرق الطبيب بنوبة ضحك وحين افاق منهاكان صاحبنا يركب في سيارة OM عائدا الى سوق الشيوخ .
ــ أتفق السيد سعيد النجار مع مجموعة من الشباب على القيام بسفرة الى (( البّـر )) , ودفع لهم 3 دنانير حصته من المبلغ ( المَكـور ) للتسوق وهو مبلغ كبير , لكن الشباب للأسف خذلوا السيد ابوحسـان , وفي العاشرة صباحا مـّر عليه أحد الوشاة وأبلغه بذلك وزاد عليه قولا : الجماعة هسه يكرعونبما لذ وطاب من المشروبات من مالاتك (( فلوسك )) . أستشاط ابو حسان غيضا , لكنه الكبير وعليهتمريرها والايام طويلة . وفي صباح اليوم التالي ذهب الى ( الشريعة ) قرب محطة أسالة الماء وأشترىعدة باقات من الجت والعلف الأخضر ونثرها امام محله , ليقول للناكثين والوشاة والعُذال , بأنه قادرعلى جلب ( البـّر) الى هنا الى محله وجعله بساط أخضر .
لأرواحهم الطيبة النبيلة الرحمة والمغفرة والصحة والسلامة للأحيــاء منهم ….
