كتب المحرر السياسي للمستقل
عندما تتلقى سؤالاً مؤطراً وانت في الشارع او على هاتفك الجوال، بالتأكيد ستكون اجابتك ضمن مايحدده السائل، فلو دخلت الى مكان ما و سألك مضيفك هل تشرب الشاي او القهوة ، بالتأكيد ستختار واحدمن اثنين فقط ، لان لاخيار ثالث لك ولا يمكنك ان تختار شيئاً اخر باعتبار ما طُلب منك ان تحدد مشروبكطبقاً لما هو معروض عليك ، هذه العملية تسمى بالتأطير الاعلامي .
فأي سؤال لا يمكن ان يكون ذات دلالة مؤثرة ما لم يوضع ضمن اطار معين ، من حيث الالفاظ والصياغة ،وحينما يكون التركيز على لفظ معين يصبح السؤال هاماً وملفت للنظر . وهذا ما تفعله الاستطلاعات ، التيمهمتها استنطاق المتلقي.
عالم الاجتماع الكندي «ايرفينغ جوفمان» يعرف الأطر الاعلامية بأنها: بناء محدد للتوقعات التيتستخدمها وسائل الإعلام لتجعل الناس أكثر إدراكا للمواقف في وقت ما، فهي إذن عملية مقصودة منالجهة التي تقوم بالاتصال .
فاستطلاعات الرأي مثلاً التي توجه لمجموعة خاصة من الناس دون الاخذ بنظر الاعتبار نسب التمثيل فيالمجتمع ، هي وجه من اوجه التأطير الاعلامي، التي تنتزع الاجابات من الناس على اساس السؤال الموجه،فهي ليست تقييم علمي حقيقي او واقعي
ربما تستخدم نتائجة لصالح توجه معين سلباً أو ايجاباً .
الاستطلاعات الحقيقية تجريها عادة مؤسسات محايدة متخصصة ، ويكون عملها مهني بحت ، حينهاتركن لمثل هذه الاستطلاعات وتأخذ بالحسبان باعتبارها تقييم واقعي علمي، مبني حسب القواعد العلمية .
مؤخراً اجرت هيئة مستشارين رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني استطلاعاً حول اداء و مقبوليةرئيس الوزراء في الشارع العراقي وجاءت نتائج الاستطلاع بنسبة 78 % يثقون بحكومة السيد السوداني.
وما يثير الاستغراب هي الجهة المتبنية للاستطلاع ” رئاسة الوزراء” ، مما يعطي انطباعاً بان الاجوبة لمتكن دقيقة او مهنية .
على الرغم من الحكومة لم تُكمل عامها الاول بعد.
الامر الاخر ان الفئة الموجه لها السؤال هم الباحثين عن فرص عمل من خريجين و عاطلين عن العمل ، وكأنالاستطلاع يحدد إجابة معينة في إطار معين، وهذا ما قلنا عنه انه تأطير اعلامي .
و كان السؤال الذي طرح في الاستطلاع هو ” هل تثق بالأداء الحكومي والخدمي لرئيس الوزراء“؟
و حددت خيارات الاجابة بثلاث ١–
( أثق تماما ) ، ٢– ( أثق الى حد ما)، ٣– (لا اثق)،
بينما يجب ان يكون السؤال كيف تقييم اداء رئيس الوزراء؟ هنا تمنح خيار الاجابة للمتلقي دون تحديد .
وبغض النظر عن كل ذلك يجب علينا ان نطرح السؤال التالي :
مَنْ يقييم اداء الرئيس ومن يحدد نسبة الرضى في الشارع عن الاداء الحكومي ، هل الاستطلاع ام المنجزات على الارض ، هل الشعارات واطلاق الوعود أم المشاريع التي يلمسها المواطن .
وهل تقييم الاداء يتأتى من خلال تبليط شارع او افتتاح جسر أو توظيف مجموعة من الشباب ، أم من خلالالمشاريع الاستراتيجة الكبرى والتخطيط السليم وبناء الثقة بين المواطن وحكومته .
حكومة السيد السوداني لم تكمل عامها الاول ، وقد واجهت مشاكل كبيرة ، منها:
ارتفاع سعر الصرف الذي اثقل كاهل المواطن ، ولم تكن المعالجات بالمستوى المطلوب .
واقع الكهرباء المتردي الذي لم يختلف عما سبق في عهود رؤوساء الوزارة السابقين .
تصاعد الخلاف بين المركز والاقليم ومشاكل كركوك التي فتحت الباب على التدخل الخارجي، وكادت الحربالاهلية ان تقع ، جراء تعهد رئيس الوزراء بتسليم المدينة للحزب الديمقراطي الكردستاني .
اخفاق السوداني في تعهداته التي قطعها على نفسه في برنامجه الحكومي ، ومنها تقيم اداء الوزراءوالمحافظين ومحاسبتهم، وهذا لم يحدث. إطلاق برنامج حصر السلاح بيد الدولة، وإعادة النازحين وتشكيلمحكمة مستقلة لملفات الفساد بأثر رجعي منذ عام 2006.
تشريع قانون العفو العام ، ومعالجة أزمة السكن، وإطلاق إستراتيجية مكافحة الفقر والبطالة.وغيرها الكثير. علماً ان حكومة السيد السوداني قد الزمت نفسها بـ 65 فقره ، لم ينفذ منها الا القليل .
فهل اخذ الاستطلاع بنظر الاعتبار هذه الفقرات التي ذكرت في التفاهمات التي شكلت على اساسهاالحكومة .
الاستطلاعات. ليست ” شو ” اعلامي وليست دعاية وتلميع صورة شخص ما ، بل هي عملية تقيميِّة بحتة.
دعوا عمل الرجل يقيمه وانجازاته تحكي عنه ، والمثل العراقي يقول « لا تگول سمسم إلا الهم » الاستطلاعات من هذا النوع لا تغني ولا تسمن من جوع فهي كجوائز التكريم المدفوعة الثمن التي نراها بينالحين والاخر تظهر على مواقع التواصل الاجتماعي دون ضوابط مهنية وعلمية .