وسام رشيد
عشرون مواطناً فقدوا أرواحهم خلال ستة أشهر وعشرات بل مئات الجرحى الذين قد يكون بعضهم فارق الحياة على طريق كوفة – حلة او ما يصطلح عليه طريق “ال بو حداري” وهو المسلك الشمالي الشرقي لمحافظة النجف ويربط بين محافظة النجف وباقي محافظات العراق في الوسط وبغداد، والذي تقوم الحكومة المحلية بإعادة تأهيله منذ شهور عبر شركة مختصة أخفقت في تنفيذه وإكمال متطلبات تأهيله منذ اكثر من نصف العام والى الان.
قصة الطريق هو احالة هذا الطريق الى احد شركات القطاع الخاص لغرض توسيعه وإعادة اكسائه وبناء بوابة نظامية في بدايته تحتوي على رمزية تشير لتأريخ النجف وعمقها الحضاري، بشكل جميل ومخطط يليق بمركز واسم محافظة النجف، وباطنها الكوفة التأريخية المهمة، ولرفع قدرة الطريق على استيعاب الزيادات الكبيرة في اعداد الزوار الذين يرتادون المحافظة يومياً وخصوصا ايام الزيارات المليونية التي تتوالى على المحافظة في اكثر من مناسبة خلال العام الواحد.
وبعد ان قامت آليات الشركة بتجريف الطريق القديم الذي تم انشائه منذ منتصف القرن الماضي تقريباً، تم تعبيد جانب من الطريق الجديد، وبصعوبة بالغة كونه الممر الرئيس الذي يربط المحافظة مع بغداد، ولم يتم انشاء طريق بديل مؤقت بسبب عدم توفر مساحات كافية على جانبي الطريق او ربما بسبب قلة التخصيص المالي.
وبعد أسابيع من استخدام الطريق ظهرت علامات التَخسّف والميلان في اجزاء واسعة من الممر الذي تم اكمال اكسائه ضمن المواصفات المعتمدة دولياً حسب فقرات المناقصة وبموجب العقد المبرم بين الشركة المنفذة وهيئة اعمار محافظة النجف، مما ادى الى توقف العمل في هذا المشروع نتيجة شكاوى قام بها ناشطون اثارت ضجة كبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي، اذ ان ذلك يعتبر هدر كبير لما يقارب 12 مليار دينار عراقي صرفت من ميزانية المحافظة التي تحتاج تلك الاموال في تنفيذ مشاريع مهمة وواسعة تفتقر لها مدن وقصبات النجف منذ عشرات السنين.
يمر الطريق بين عدة قرى وقصبات ومساكن المزارعين في منطقة تسمى ال بو حداري وعدة مسميات اخرى لعشائر عراقية تقطن المنطقة، ولاسباب تتعلق بالغلق المؤقت لهذا الممر الحيوي وعدم وجود بدائل او اشارات مرورية تحذيرية ولحاجة المارة في استخدام هذا الطريق اذ لا غنى عنه في الوقت الحاضر زادت اعداد الحوادث المميتة على جانبي الطريق، بين المارة والوافدين والخارجين من والى محافظة النجف الى معدلات مخيفة، ولا يكاد يمر يوم واحد دون تسجيل حادث او اكثر ضمن نفس الرقعة الجغرافية للمشروع الذي لا يتجاوز الـ20 كم طولاً من الكوفة باتجاه مدينة الحلة.
وارتفع اعداد ضحايا هذا الطريق الى العشرات، في سابقة لم تألفها محافظة النجف ولا مدن العراق التي تنتشر فيها طرق الموت بين محافظاته التي تفتقر الى الطرق الحديثة والمتناسبة مع اعداد المركبات ونوعياتها الجيدة والباهضة الثمن.
مقربون من الشركة المنفذة ذكرو لي ان السبب في التخسفات ليست الشركة انما بنود العقد الذي يفتقر الى فقرة الصب الكونكريتي قبل الاكساء، وهو الخطأ الذي وقع فيه المكتب الاستشاري التابع لجامعة الكوفة، والذي وضع فقرات التأهيل غير المكتملة.
وحدثني احد المهندسين في هيئة الاعمار بالمحافظة، ان المشروع بحاجة الى كشف اضافي لوضع فقرات جديدة تتناسب مع طبيعة الارض الزراعية المتموجة، وهذا ما يكلف ميزانية المحافظة مبالغ ضخمة.
قامت الشركة بازالة المقطع المتموّج لكن لم يتم اضافة اي تعديل جوهري على طريقة التنفيذ، مما يعني ان المشروع سيتأخر مزيداً من الوقت أي مزيداً من الحوادث، ومزيد من الضحايا.
وحتى يأذن الله ويتم تنفيذ المشروع (طريق نجف- حلة) سيظل ملك الموت متربصاً بالقادمين والمغادرين على جانبي الطريق، حيث تسيل الدماء البريئة نتيجة سوء تقديرات المختصين، وفقدان الضمير والذمم، في معالجة وتنفيذ المشاريع، وسيظل الضحية هو المواطن البسيط الذي لا يرى بديلاً سوي ان يكون رقماً اخر ضمن قوائم ضحايا المفسدين والقتلة الذين لن يسائلهم احد.