لم نكن نعلم بأهمية السياسة الخارجية الامريكية مثلما
نعلمها حالياً لجهة التفاصيل التي نستلمها من هذه الجهة
او تلك . ربما لأن هذه السياسة باتت أكثر وضوحاً لنا
بسبب عوامل متعددة ، أهمها ذلك الانفتاح الكبير الذي
سببه الاعام الجديد والنظم التقنية والفنية ، اضافة الى
التفكير بصوت مرتفع للشخصيات السياسية . ولابد أن
نتذكر كيف كان الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب
ينقل لنا مواقفه السياسية عبر حسابه في تويتر قبل ان
ينقلها لوزارة خارجيته ! أو كيف يُقيل وزيراً او يطرد آخر
من البيت الابيض قبل ان يعلم صاحب الشأن كما فعل مع
«ركس تيلرسون » او «جون بولتون . »
كثيرة هي الفوارق بين الرئيسين الامريكيين دونالد ترامب
و جو بايدن ، وتحديداً ما يخصّ السياسة الخارجية التي
تهمنا – نحن شعوب العالم – و تهمّ قضايانا التي لا تنتهي.
الرئيس بايدن ذهب شخصياً الى مبنى وزارة الخارجية ،
و منها اعلن بوضوح تام في خطابه دعمه للدبلوماسية
كطريقة اساسية في صوغ السياسة الخارجية الامريكية في
عهده .
زميل في احدى الدول الخليجية قال ان الرئيس ترامب ترك
حلفاء الولايات المتحدة تحت الباص ؛ استخدم اساليب لا
تليق بدولة مثل الولايات المتحدة .. الا ان الرئيس بايدن
يُريد العودة للتقليد الامريكي لقيادة العالم . بايدن قال
في خطابه بوزارة الخارجية الامريكية : ان الولايات المتحدة
لاعب أساسي ، وتريد قيادة العالم . لا ادري هل يستطيع
ذلك فعاً بعد كل الذي اقدم عليه الرئيس ترامب ،
ام لا ؟ لكنه اعطى مقاربة اخرى عكست نصف قرن من
الخبرة السياسية في العمل بالكونغرس و البيت الابيض .
بايدن حرص على ان يقول ان سياسة ترامب انتهت ، و
ستنتهي معه الحروب ، وهي رسالة لايران للتهيؤ لتفعيل
الدبلوماسية ، وايضا للسعودية بضرورة انهاء حرب اليمن
العبثية . واختياره مبنى وزارة الخارجية في إلقاء خطابه ، كان
له دلالات معينة ؛ فهو لم يذهب اولاً الى مؤسسة امنية او
للبنتاغون ، وانما لمبنى الدبلوماسية .
في قراءة اولية لخطابه ، ركز بايدن على عودته لاتفاقية
المناخ ، لانها تهم المجتمع الدولي ، وإلغاء قرار حظر دخول
مواطني عدد من الدول ذات الاكثرية المسلمة للولايات
المتحدة ، والعودة لمنظمة الصحة العالمية . انه حرص
على تحسين الصورة الامريكية في المجتمع الدولي . ولأول
مرة يتم تعيين مبعوث للولايات المتحدة في الشان اليمني
. فهل يريد إضعاف السعودية بهذا الإجراء ؟ لا اعتقد ذلك .
لان السعودية لا تعيش على الهامش في القاموس الامريكي
؛ بل ان السعودية حليف كان و مازال ؛ لكن دون مشاكل
. ادارة الرئيس الاسبق باراك اوباما وافقت – وكان بايدن
في اطار هذا القرار – على اعطاء السعودية صلاحية تنفيذ
قرار مجلس الامن الدولي 2216 بشان اليمن ، وكان من
المفترض ان تتم العمليات العسكرية في خمسة اشهر لا
خمس سنوات !.
الرئيس بايدن حاول نقل تصوراته للسلك الدبلوماسي
بأهمية العلاقات الخارجية ، وان سياسة القوات الامريكية
المنتشرة في مناطق متعددة من العالم ، ومنها الشرق
الاوسط ، يجب ان تكون انعكاساً للسياسة الخارجية وليس
العكس . هي مراجعة لكافة السياسات التي انتهجها ترامب
في دعم بعض الانظمة بطريقة عمياء و، التي كانت مدمرة
للامن في عديد المناطق الساخنة .
أربعة ملفات تهمنا – نحن ابناء منطقة الشرق الاوسط
- لم يتحدث عنها الرئيس بايدن ، ولم يذكرها ؛ وهي
«اسرائيل » و ايران و اليمن و العراق . لكنه شدد على تقاليد
السياسة الخارجية الامريكية .
عراقياً ؛ لم يذكر هذا البلد الجريح الذي ينزف من كل
اطرافه . ربما لانه كان لديه موقف عندما كان نائبا للرئيس
مثل تقسيم العراق الى ثاث دول الذي لاقى معارضة
شرسة وانتقادات قوية من قبل جميع الاطراف.
بالنسبة ل «اسرائيل » ؛ لم يتحدث عنها في خطابه .. لكن
ليس من المتوقع ان يُغيّر بعض قرارات ترامب مثل
الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان ونقل السفارة الامريكية
لها ؛ لكن الواضح انه يدعم «حل الدولتين » ولا يسير ب
«صفقة القرن . »
الملف الايراني ايضا لم يتطرق له ، على الرغم من اعان
رغبته العودة الى الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس
ترامب. ربما لان صورة العودة لهذا الاتفاق غير مكتملة ،
وهو لا يُريد اتخاذ موقف رسمي قبل معرفة نتائج مساعي
الحلفاء الاوروبيين ، اضافة الى الموقف الايراني الصريح من
الاتفاق وما بعده .
اما الملف اليمني فانه انتقد بشدة الحرب على اليمن
مشيرا الى العدد الهائل من الضحايا المدنيين ، معلنا
تجميد صفقة الساح لكل من السعودية والامارات وتقليل
بعض العقوبات على الحوثيين واخراجهم من قائمة الحظر
التي وضعهم فيها سلفه الرئيس ترامب .
سؤال : هل ان بايدن سينجح في تلميع الصورة الامريكية
التي سوّدها سلفه ترامب ؟ لا اعتقد . وهل سيشعل ضوءً
نراه في آخر النفق ؟ لا ادري.
U2saleh@gmail.com