اية سعد
البحث عن تاريخ مفهوم الموت واثره في الحياة الاجتماعية هو الانتقال المعرفي نحو السلوك الواعي القلق من لحظة الموت في تاريخ الفلسفة. يعني هذا اذ ان ملازمة التشاؤم واليأس للانسان هو وجود زمني بعيد في عمق تاريخ الانسان الذي كتب عنه الفلاسفة قديماً، اي ان وجوده قبل الفلسفة الحديثة.
اذ نجد اليأس عند سقراط قد تم عرضه في صورة سينمائية يصدم الحاضر ليتعلم الراهن، ان شربه للسمّ (الشوكران) والانتحار، هو الاعلان عن حريته التي سلبت وشيئته داخل حدود المكان وتراتيب وحدات الزمن.
كذلك في كتاب نيكوماخوس يذكر ارسطو أن الحكيم يسعى الى التحرر من الالم ، لا الى السعادة .
والفلاسفة مابعد ارسطو كـ هجسياس الذي لقب ( بالناصح بالموت ) لانه يرى ان السعادة امنية مستحيلة ، واقتنع البعض بأقواله فأنتحروا ، ومن الفلاسفة الرواقييين لوكيوس سينيكا الذي حكم عليه بالاعدام ففتح عروقه وساقيه ، وطلب سينيكا من الطبيب أن يعطيه كوب من سم الشوكران فلم يكون للسم تأثير ، وبعد محاولتين فاشلتين طلب ان يضعوه بحمام بخار ليختنق حتى الموت .
والى ذلك من الفلاسفة القدماء الذين كان اليأس والتشاؤم يعتريهم ، الا ان مذهب التشاؤمية لن تقوم له قائمة الا مع الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور الذي وصف بفيلسوف التشاؤم الأكبر ، هو الذي يرى ان الانسان تزداد معاناته ولا تنتهي هذه المعانات إلا بموت صاحبها وأمام كل هذه الآلام والكوارث ألا يكون التفاؤل سخرية من ويلات البشر ، ان السعي وراء السعادة بناء على الافتراض الاكيد اننا سنجدها في الحياة ، انطلاقا من هذا ، سينبع الامل المنغمس في الوهم ، فالصور الخادعة لسعادة عاملة في احلامنا تحلق امامنا بأشكال عشوائية ، فيجب تخليص اذهانهم من الفكرة الخاطئة القائلة ان لدى العالم صفقة عظيمة سيعرضها علينا ، فنجد ان ملامح جميع العجائز تقريباً تحمل التعبير الذي يمكن ان ندعوه خيبة الأمل ، لم يقصد شوبنهاور دفعنا الى اليأس بقدر ما كان يريد تحرير العقل من وهم السعادة والامال ، وايضاً رغم فلسفته التشاؤمية الا انه يعتبر الانتحار ليس السبيل الأمثل للخلاص من معاناة الحياة الإنسانية لانه يعتبر الانتحار تدمير الجسد بدلا من تركه ممزقا بالألم ، والانتحار ايضاً ارادة يجب قمعها ، ومن يقتل نفسه يرغب في العيش أكثر من غيره، لأن إرادة عدم الإرادة هي إرادة ( الانتحار تأكيد قويا للارادة ) .
و لابد من ذكر صاحب ( مثالب الولادة ( الذي يرى ان السخرية هي الانتصار الحقيقي والوحيد على الحياة والموت ، وان الضحك هو المبرر الكبير للحياة ، صاحب ( المياه كلها بلون الغرق ) يرى ان الراغبين في انهاء حياتهم بأنهم سيحرمون من سعادة السخرية وان مأساة الانسان ليست في موته ، وانما في مولده ( اميل سيوران )
ومن الجانب الاخر نرى الدين يصرح ان اذية النفس حرام ، هل الانتحار اذية للنفس ام هو رحمة لها من مصارعة الألم الذي هو اساس الحياة ؟
الموت الرحيم اجراء يقوم به الطبيب عندما يفقد الامل بمعالجة المريض فيعطي للمريض حقنة تنهي حياته بدلاً من مصارعة الالم من دون جدوى هنا يكون الموت اهون على المريض من بقائه على قيد الحياة .
هل هذه الثغرة الوحيدة لتأييد الانتحار ؟ لا يوجد فرق بين الاثنين الفرق فالوجع واحد ان كان وجع الجسد او وجع الروح واحياناً يكون وجع الروح اقوى لانه لا يُرى ولا يعترف به ، عندما تقابل شخص ویده مكسور وهو يتألم قد تشعر بالألم ، لكن اذا قابلت شخص قلبه مكسور لاتشعر به وهذا ما يجعل الشخص يتألم أكثر لان لا احد يشعر به ، مرض الروح اسوء واعمق ومنهك اكثر من مرض الجسد . هل يحق لمرضى الروح الموت الرحيم ؟ ام هذا ايضاً ليس من صلاحياتهم ؟
وان كان من صلاحياتهم هل يحتاج مريض الروح ان يستعين بطبيب لإنقاذه من والألم ام ينقذ نفسه بنفسه ؟