الناس الحلوة سايقة / دارين السماوي .. كاتبة تونسية

الناس الحلوة سايقة / دارين السماوي .. كاتبة تونسية

دارين  السماوي / كاتبة تونسية
من عادتي و أنا أسوق سيارتي وسط زحمة المرور الصباحية أن أصنع لنفسي عالما خاصا داخل السيارة بعيدا كل البعد عن الجو الخارجي المشحون بأصوات زوامير السيارات الغاضبة و وجوه الساقين العابسة. فسيارتي من الداخل عالم مختلف حتى ان المقربين مني يسمونها المهدئة للأعصاب . و بما أنّ السياقة بالنسبة لي نشاط يومي قررت أن أجعل سيارتي “الغزالة الرايقة” وأكون أنا “الناس الحلوة السايقة” وأن أجعل من قيادة السيارة متعة بدلا من أن تكون مصدرا للضغط النفسي و القلق. فإن كنت يا صديقي من النوع الذي يمارس هذا النشاط يوميا حتى يتنقل إلى عمله أو يقضي حاجياته اليومية أطلب منك و بكل لطف أن تسمع منّي هذه الكلمات: و أنت على مقود سيارتك يا صديقي تذكر أنك أمام خيارين إمّا أن تحافظ على هدوءك و صحتك و أعصابك مهما صادفك من إنفعالات أو أن تتوتر و تسمح لمن سوف تصادفهم في طريقك بإفساد يومك مثلا كذلك الشاب المتهور الذي رمي نفسه أمامك كالقط البري ثم اسمعك وابلا من الاتهامات بأنك أعمى البصر و البصيرة و أنك تحصلت على رخصة السياقة بالرشوة أو تلك السيدة التي مازالت في بداية تجربتها في السياقة و مازالت تتلمس الفرق بين يمينها و شمالها أو تلك الجميلة في سيارتها الفارهة الواقفة أمامك في الإشارة والمشغولة بوضع أحمر الشفاه غير عابئة بالضوء الأخضر و لا بأصوات زوامير السيارات الأخرى والتي إن أنت تجرأت و طلبت منها ان تسرع في الخروج من الإشارة سوف تنظر إليك شزرا و تقول لك بلسان عربي غير فصيح أنك عدو الجمال و الأنوثة و الرقة و لست بجنتل مان أو ذلك الرجل الكبير الذي نسي أن يمسح زجاج نظارته التي لم يغيرها منذ عشرين سنة والذي يسوق بسرعة عشرين كلم في الساعة سيارة موديل سنة 40 و يشتم هذا العصر المتسرع الذي لم يعد فيه لتقدير كبار السن مكان أو ذلك المستعجل الذي قطع الطريق أمامك فجأة و لم يكلف نفسه عناء الاعتذار و لو باشارة من يده؛ صدقني أنا أعلم جيدا انهم كلهم مستفزون لكن نصيحتي لك أن لا تسمح لهم بتعكير مزاجك و جعلك تتوتر و تغضب و ربما تسب و تشتم و تلوم حظك الذي جعلك تعيش وسط مجتمع متخلف جاهل و لن أستبعد فكرة أنك بمجرد قراءة هذه الكلمات شعرت بالتوتر أو ربما إستحضرت موقفا مشابها قد حدث لك فعلا و أفسد يومك فإن كان الأمر كذلك يا صديقي فاسمح لي كخبيرة و مختصة أن أقول لك أن التعرض للضغط اليومي
و التوتر أثناء السياقة لا يعرض فقط حياتك للخطر و يهدد سلامتك و سلامة غيرك بل من الممكن أن يؤثر سلبا على صحتك الجسدية و النفسية حيث أنّ العديد من الدراسات العلمية أثبتت أنّ التعرض للضغوطات النفسية أثناء القيادة من الممكن أن يتسبب في تلف أعصاب الدماغ و العديد من الأمراض الأخرى مثل أمراض الجهاز العضلي و العظام و الظهر و الجهاز التنفسي و آلام الرأس ناهيك عن مشاكل الذاكرة و عدم التركيز و الإكتئاب و القلق كل هذا بسبب أناس لا تعرفهم و لا يعرفونك لهذا نصيحتي لك يا صديقي و أنت تقود سيارتك حاول أن تصنع لك عالما خاصا مختلفا و أن تقطع مع العالم الخارجي المستفز بضغوطاته و توتره
و فكر في الجانب الإيجابي و في أنك ذو حظ عظيم إذ أنّ السيارة هي أصلا نعمة تضمن لك الحرية و الكرامة إذ تعطيك حرية التنقل إلى أيّ مكان تريده و تحفظ كرامتك من مضايقات عديدة تذكر كم عانيت بدونها و كم لهثت وراء الحافلات و انتظرت في البرد القارص و الحر الشديد أن يحنّ قلب سائق التاكسي ليأخذك في طريقه أو أن تجد لك مكانا في الحافلة المكتظة لذا و أنت تسوق احمد الله على هذه النعمة و قرّر أن يكون الوقت الذي تقضيه داخل سيارتك وقتا ممتعا، ارفع زجاج السيارة و اجلس بوضع مريح و أرسم إبتسامة على وجهك و إستشعر بأنك سيد حياتك الذي لا يسمح لأحد بأن يتحكم فيها أو أن يفسد أوقاتها و اجعل من الوقت الذي تقضيه في سيارتك وقتا جميلا ممتعا بدلا من أن يكون وقتا مخصّصا للتوتر و تلف الأعصاب. إجعله وقتا لتعلم شيء مفيد كأن تستمع إلى كتاب صوتي أو إلى دروس في مهارة أنت تحب أن تتعلمها كلغة جديدة أو ما شابه صدقني ستندهش من الإنجاز الذي ستصل اليه بعد وقت وجيز فالوقت الذي تقضيه في السيارة ليس بقليل و يمكن أن تنجز فيه الكثير إستمع لموسيقى أنت تحبها أو أغاني ذات معاني إيجابية أو إلى آيات قرآنية أو أي شيء محبب يجعلك تشعر بالسكينة و الهدوء و لكن إحذر أن تستمع لشيء يجعلك تنام لأنّنا لا نريد أن نعرض حياتك للخطر، ضع عطرك المفضل و اجعل شذاه يملأ السيارة صدقني فبعض الروائح لها تأثير المهدئات مثل العطور التي تحتوي على الخزامى و النعناع و الورد و أيضا تلك التي تساعد على التركيز مثل التي تحتوي على رائحة الليمون و البرتقال و اكليل الجبل رتب سيارتك فالفوضى تجعل الدماغ أكثر قابلية للتشتت و التوتر أكتب عبارة جميلة و ضعها في سيارتك لتحفزك على الثبات و الهدوء و لا تنسى أن تنظم وقتك حتى تتفادى ضغط المواعيد و يكون لديك متسعا من الوقت لتصل بسلام و مزاج رائق للوجهة التي تقصدها و لا تسمح لأي أحد أن يفسد يومك حتى و إن كان أكثر خلق الله استفزاز و كن دائما من ” الناس الحلوة السايقة” .

(Visited 19 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *