بقلم / المهندس الاستشاري
زكي الساعدي
ركبت مترو بغداد السريع وفي غضون النصف ساعة وانا اقرئ كتابي المفضل ودون ان أشعر وصلت الى المحطة الرئيسية للمترو في كربلاء المقدسة وعلى بعد خطوات معدودة من قبر سيدي ابي عبد الله الحسين بن علي سيد الشهداء عليه السلام..
كان محط رحالي في البرج الحسيني رقم ٢ وتفاجأت بإنني كنت الزبون صنف A الأكثر ترددًا على كربلاء في أيام الزيارات أنا وعائلتي وبأن الموقع الآلكتروني ( الاسكان المركزي للعتبة الحسينية) أعطاني جناحا كاملًا يحتوي على غرفتين وصالة صغيرة جميلة في الطابق ٣٠ من البرج الثاني الحسيني الذي يحتضن الامام الحسين ومنارته الذهبية اللامعة ذات المأذنة الشامخة بارتفاع ١٥٠ متر وباستطاعتي ان أرى قبر سيدي ومولاي الأمام العباس ابن أمير المؤمنين (ع) من شرفتي الامامية وأستطيع أيضا الطواف حول الامام الحسين بالبرج الحسيني واحد وأثنين ووصولا الى الجسر الزجاجي الرائع الرابط بين البرج الحسيني الاول والعباسي الرابع وأرى الزائرين في الطوابق العشرين وهم يتدفقون بانسيابية عالية ودون اي تزاحم فالمدينة مصممة لتضم أكثر من ١٢ مليون زائر واعجبتني المصاعد الكهربائية الزجاجية وإنارتها والشريط الناقل للحركة وايضا الاقامة في البرج الحسيني لما فيه مميزات وراحة نفسية بانك ترى الإمامين ومطل على شرفة تستطيع من خلالها ان ترى الابراج الاربعة. الحسيني ١، والحسيني ٢ والعباسي ٣ والعباسي ٤ وشدني أنعكاس منارتي الامام الحسين والعباس في الأبراج الزجاجية ذات الثلاثين طابق حيث تجعلك تشعر بانك في مكان أراد الله ان يكون جنته ع الارض وخصوصا عندما ترى الحدائق تزين سطوح هذه الابراج الزجاجية التي تناطح السماء وتعتلي فوق الغيوم بفخر كونها تحتضن سيد الشهداء واخيه .
ان أكثر ما يدهشني ويلفت انتباهي ان مواقف السيارات ذات الطوابق المتعددة والساحة التي تجاور المراقد المقدسة تحتوي على شبكة رائعة هندسية تتنوع من حافلات ومترو يربط النجف المقدسة بكربلاء وببغداد وكلها تحت الارض وهذا الخط الثلاثي الأروع في العالم بين هذه المدن الثلاثة لما تضم بين ترابها من أئمة تفرد العراق بهم .
سألتهم كيف أستطاع العراق بميزانيته البسيطة من وارداته الأحادية من النفط ان يعمل هذا الصرح التكنلوجي العملاق وهذه النافورة الضوئية التي مابين الاماميين وكل هذه الساحات الرائعة والمترو السريع … هل كل هذا من الميزانية وكيف إستطاعت الحكومة ان تستثمر كل هذه الاراضي حول المرقدين وهي ملك شخصي لشاغليها. ؟؟؟
اجابو ان قرار الحكومة الذكي بشراء كيلو مترين بمحيط دائرة الإمامين من الاهالي وتعويضهم بسعر السوق واعطائهم تخفيض للشراء في الابراج التجارية المجاورة المتطورة بنسبة تصل الى ٣٠ بالمئة وبالتقسيط شجعهم ليكونوا جزءا من مشروع كربلاء الحسين . وايضا ان مقدار رسوم الزيارة التي فرضت على كل زائر اجنبي يأتي الى المراقد المقدسة جعلت واردات العتبات المقدسة لهذا المشروع العملاق دفعة لا يستهان به ومتنامية كواردات النفط وإيرادات الابراج ومدينة الحسين وغيرها من المرافئ تصل الى اكثر من مليارين ونصف دولار سنويه وبهذا المبلغ الضخم المتنامي جعل كربلاء قبلة الزائرين.
اي ان الزائر باستطاعته في غضون ٣٠ دقيقة ان يصل من مطار كربلاء المركزي الى البرج الذي يختاره للسكن وباجور منخفضة نسبيا وبالوقت نفسه باستطاعته استخدام المترو لينتقل الى بغداد او النجف باوقات قياسية دون توقف وباجور أيضا مناسبة وتكاد ان تكون أرخص من التنقل بالمركبات الشخصية ..
ادهشتني شوراع كربلاء النظيفة ومواكبها الحسينية المحترمة ورقابة القصائد وشوارع كربلاء التي كانت سالكة على مدى ايام الزيارة والتفتيش الاليكتروني الذي يستشعر الاسلحة عن بعد دون تدخل بشري وعلى بعد دائرة قطرها ٣ كيلو متر ..
الموائد تصل الى كل الزائرين في الصحنيين الحسيني والعباسي وتبرعات المواطنين منظمة في صندوق الامام الحسين الاليكتروني الذي يستثمر في التطوير المستمر للحضرة الحسينية والعباسية
واعجبني مكان اقامة شعائر العزاء بالصالة الكبرى
وان أجمل ما استشعر به الان نسمات الهواء المنعش بالصيف المشتعل في العراق داخل الاماكن المكيفة التي كانت مابين الحضرتين لكونها مجهزة باحدث انظمة التبريد …
ولم تمنع هذه التكنلوجيا بالمسير الى سيد الشهداء والعادة القديمة بل تنظمت أكثر واصبحت الأكثر راحة والزائر القادم يشعر انه مساهم بهكذا تطور وتكنلوجيا
وقسم كبير من المنشآت كانت عبارة عن استثمار مشروط كالمترو الحديث وباصات النقل والابراج الفندقية ولكن تحت اشراف الدولة …
والزائر ايضا يدعم الصندوق الحسيني للاستثمار بالفيزا الدينية التي تراوحت من ٢٠ دولار الى ٦٠ في سنوات الانشاء ….
يبدو إنني اشعر بألم في قدمي واذا بي أستيقظ في احد المواكب الحسينية بعد تزاحم بعض الاخوة الزائرين الذي سحق قدمي بلا قصد و أيقظني وتمنيت لو كنتم معي في الحلم …
كربلاء
١٧ صفر