سلطة حل البرلمان العراقي : بين النظرية الدستورية والمطالب السياسية

سلطة حل البرلمان العراقي : بين النظرية الدستورية والمطالب السياسية

د.احمد عدنان الميالي
تختلف سلطة الحل في الانظمة الديمقراطية من نظام سياسي الى اخر، ففي النظام البرلماني المبني على التوزان بين السلطات يكون هذا الحق من صلاحية الحكومة عبر رئيسها ورئيس الجمهورية او احدهما،
أما في النظام الرئاسي ونظام حكم الجمعية فلا يحق لها ذلك باعتبار أن النظام البرلماني قائم على فكرة التوازن بين السلطات، كما انه يحق في النظام البرلماني منح الحكومة حق طلب حل البرلمان مثلما إن للبرلمان حق سحب الثقة من الحكومة، وهذا هو الأمر الذي يؤدي إلى الدعوة لانتخابات جديدة يختار فيها الشعب نوابهم مرة اخرى بحثا عن تشكيل حكومة جديدة .
نص الدستور العراقي على الية محددة في مسألة حل البرلمان وهي الحل الذاتي : و يقصد به حل البرلمان لنفسه ، باعتبار أن البرلمان يملك جزء من السيادة فيحق له التنازل عن هذه السيادة طالما أن هذا الحل لا يؤثر فقط على المجلس نفسه، وهذه الحالة لاتعد اساس في الانظمة البرلمانية لكنها تطورت في بعض دساتير الدول والولايات الفيدرالية بحيث صار حل الذات حالة إضافية متقدمة لحل البرلمان، واصبحت أمر معترف به اليوم وكأنه القاعدة الاساسية لسلطة الحل.
ان طريق حل البرلمان في الدستور العراقي النافذ للعام ٢٠٠٥ ورد في المادة ٦٤ ، وهنالك اتجاهان في هذه المادة، الاولى : تحتاج الى تصويت البرلمان نفسه اي الحل الذاتي بالاغلبية المطلقة لعدد اعضاءه بناءً على طلب من ثلث اعضاءه غير مقرون بطلب من السلطة التنفيذية، والثاني بناءً على طلب السلطة التنفيذية بناءً على طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية وتصويت البرلمان بالاغلبية المطلقة،
وهذا حقيقة لاتاخذ بها غالبية الانظمة البرلمانية ، والاتجاه الاخير رغم انتشاره باعتباره يشكل عنصر التوازن بين السلطات لكنه لايعبر عن ارادة الشعب في اتخاذ قرار الحل لان البرلمان هو الممثل الرسمي لارادة الشعب في الانظمة البرلمانية المنتخبة ويعكس استجابة المطالب شعبية اذا لم يتضمن الدستور حق الحل الشعبي وهذا الحال يمكن ان يمارسه البرلمان ذاتيا كذلك في حال عدم النص ايضا على الحل الشعبي.
في المنظور الواقعي فإن سلطة حل البرلمان في النظام البرلماني اذا ماتمحورت في الحل الوزاري او النابع من رئيس الحكومة والجمهورية، فان هذا الحق سيكون سلاحا موجها ضد البرلمان اكثر منه لاعادة ضبط التوازن بين السلطتين وعادة مايجعل البرلمانات غير مستقرة قد لايمثل مبدأ الحل وفق هذه الطريقة الخيار الشعبي عند اعادة الانتخابات لان النتائج ستكون متقاربة اذا ماكانت نزيهة.
تطرح الاو فكرة تعديل الدستور العراقي حاليا من قبل اطراف مختلفة منها القضاء ، لانتزاع سلطة الحل الذاتي للبرلماني لصالح السلطة التنفيذية؛ لتحقيق التوزان بين السلطات، تزامنا مع دعوة السيد الصدر لحل البرلمان من خلال القضاء دون الحاجة الى عقد جلسة في البرلمان باعتباره برلمان معطل وحصلت فيه اختلالات دستورية بعد عجزه من احترام التوقيتات الدستورية ،لكن فكرة تعديل الدستور في الوقت الحاضر معقدة وبعيدة التحقق، عمليا تعديل الدستور هو الحل لكنه اجراء معقد وتقريبا عقيم حاليا، فالمادة ١٢٦ مرهونة بالثلثين “وهي اساس المشكلة حاليا” ، والمادة ١٤٢ مرهونة بالحظر الجغرافي وتتيح تحكم الاقلية بالاغلبية في امضاء الاستفتاء…
كما ان حل البرلمان خارج سياق المادة (٦٤) لايمكن الركون اليه حاليا، ولاتمتلك اي جهة غير البرلمان نفسه سلطة الحل الذاتي، ولهذا من المتوقع استمرار واتساع اعتصامات التيار الصدري للضغط باتجاه حل البرلمان عن طريق البرلمان نفسه او اللجوء الى خيارات تصعيدية اخرى والعودة الى مطالب تغيير النظام السياسي وتأسيس فعل سياسي جديد وانهاء العملية السياسية الحالية في حال تصاعد زخم الاحتجاجات لكن لهذا السيناريو مصدات عديدة منها وجود قوى اجتماعية وسياسية غير راغبه فيه اضافة الى وجود توازنات شعبية جماهيرية تعيق الركون الى هذا الخيار لتبقى الازمة السياسية مستمرة.

(Visited 2 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *