مواويل جنوبية
عبدالسادة البصري
يُحكى أن أميراً تقدّم لخطبة فتاةٍ ، فوافق والدها لكن بشرط أن يكون مهرها قيام الأمير بالتسوّل لمدة شهر في شوارع المدينة!
اندهش الأمير من الشرط هذا ، وانزعج ، ورفض ، لكنّه في آخر المطاف إنصاع وطلب من والد الفتاة أن يقلّل المدة. إلاّ أن الأب أصرّ على أن تكون شهراً كاملاً .
في اليوم الأول ارتدى الأمير ملابس رثّة وغطّى وجهه بنقابٍ كي لا يعرفه الناس ، ثم دار على البيوت يتسوّل ،،،، سمع الأب بأنّه غطّى وجهه فرفض وقال له :- من أولوية الشرط أن يكون وجهك سافراً للجميع . أسفر الأمير وجهه للناس وأخذ يدور على البيوت خجلا في بادئ الأمر ، وأنهى اليوم الأول بشقّ النفس. وجاء اليوم الثاني فكان أخفّ وطأة عليه ، وهكذا يوماً بعد يوم ذهب الحياء عنه ، فصار يدور هنا وهناك غير عابئ بكلام الناس وعباراتهم الجارحة ،،،،
اكتمل الشهر ولم يأتِ لبيت الفتاة التي خطبها ، ومر شهران ولم يأتِ. بعث والد الفتاة وراءه ليستفسر منه حول مسألة الخطوبة، فأجابه :- لا حاجة لي بابنتك ، وجدت وسيلة تدرّ علي الربح والمال دون أدنى تعب ووجع رأس وألم قلب، لا أريد ابنتك بعد الآن !
استذكرت هذه الحكاية لا إنتقاصاً من المتسوّلين أو استهانة بهم ، ولكن للتأكيد على أن الحياء إذا ذهب عن وجه الإنسان وقلّ نبضه في الضمير والعقل ، فانّه لن يتورّع عن فعل شيء مهما كانت مرتبته وإسمه ومعتقده ، لأنّ الحياء وكما قال آباؤنا ( قطرة) إذا سقطت ذهب كلّ شيء معها ،،
وهذا ما نجده اليوم عند بعض من صعدوا في ليلة وضحاها الى كراسي المسؤولية وإدارة شؤون البلاد ، حيث تركوا كل شيء والتفتوا إلى الفساد والخداع وعدم التورّع عن فعل أي شيء رغم ما قيل ويقال عنهم ،، ومع إنهم يعرفون جيداً أن البلاد غرقت في الخراب والناس في هيجان من شدّة الفساد الذي نخر كلّ مفصل من مفاصل الدولة، وتداعينا تحت وابل أزمات تهدّد الاقتصاد المحلّي وحياة الناس، إلا إنّهم متشبّثون بالكراسي متمسّكون بها مهما صار وحدث من خراب وضياع بلد ونزيف دم !!
أتمنى أن لا تكون هذه الكراسي التي ستنخرها الأرضة في آخر المطاف، هي التي جعلت بعضهم ، ان لم نقل جميعهم يسدّ أذنيه عن صيحات الآخرين ومطاليبهم بإنقاذ البلاد والعباد من الضياع، ويصبح مثل الأمير الذي ضيّع كلّ شيء بعدما ضاع الحياء ونزلت قطرته عن وجهه وضميره!