علاء الخطيب
١١نيسان٢٠٢٢
قالها عراب الدعوة ومهندس سياساته الشيخ عبد الحليم الزهيري أن ” حزب الدعوة ظلم نفسه بدخول العملية السياسية ” .
قالها ولم يقل ان الدعوة ظلم شهدائه ، وظلم مؤسِسَه ” الصدر ” ، ولم يقل ان حزبه أفسدته السلطة، وأضاع تاريخه وتضحياته ، ولهث وراء المال والمناصب .
ولم يقل ان نبؤة محمد باقر الصدر تحققت حينما قال لهم ” مَنْ منكم عرضت عليه دنيا هارون الرشيد، ولم يقتل موسى بن جعفر “ كانوا يتفاخرون بهذه الكلمة، ويعتبرونها من عيون الكلم ، إلا انهم وللاسف جلهم قتلوا موسى بن جعفر حينما لمع في عيونهم بريق الذهب وملموس الحرير .
ولم يقل ان الحزب فشل في أول تجربة في الحكم حينما دخل متشرذما ً منقسماً على نفسه بعد سقوط الدكتاتورية، تحت عنوانين متعددةً حزب الدعوة الاسلامية، وحزب الدعوة تنظيم العراق ، ولم يلبث حتى انشطر الى شطر ثالث تحت مسمى الإصلاح عندما اختلف الجعفري مع بقية أعضاء الشورى حول السلطة ، وأعاد المالكي الكَرة واسس دولة القانون، وان بقي أميناً عاماً للحزب ، وتكرر المشهد مع العبادي وأسس “النصر ” وأعلن عن خروجه من الحزب .
ولو بقي الحزب في السلطة لتعددت انشطاراته الافقية. ولكن كفى الله العراقيين شر الانشطار .
قالها الزهيري وتزامن قوله مع ذكرى استشهاد السيد محمد باقر الصدر ، وكأن القدر أراد ان يجري على لسانه هذا القول في هذه الايام، كي يؤكد حقيقة تاريخية ويثبت موقفا ً و اعترافاً بالخطأ .
لقد قالها، وهو يؤبن الاسلام السياسي في العراق ، الذي يلفظ انفاسه الاخيرة في معركة الصراع الوجودي ، ويعلن فشل تجربته السياسية التي لم يكن مهيئاً لها على حد قوله .
الزهيري اعترف اعترافاً خجولاً بالهزيمة وكانت تنقصه الشجاعة في التعبير عن النكسة في مسيرة الحزب ، حينما قال ان ” القوى السياسية ومنها حزب الدعوة كانت غير مهيأة لادارة البلاد ”
لكنه لم يتمكن من اخفاء الحقيقة بأن السخط الشعبي ” حراك تشرين ” كان مشروعاً وحقيقياً على سوء الاوضاع المعاشية .
لقد سقط الاسلام السياسي سياسياً وجماهيرياً وكانت نتائج الانتخابات الاخيرة خير شاهد على ذلك.
لم يكن الخلل في قانون الانتخابات كما قال الزهيري بل الخلل في الاداء السياسي للاسلاميين وعدم قدرتهم على فهم السياسة كواقع متغير ، وعالم متنوع المزاجات ، فالسقوط في الانتخابات يعني سقوط مقبولية الفكر في الواقع الاجتماعي.
ان سقوط الاسلاميين في العراق حتمية تاريخية عجلت بها سياسة خاطئة واستراتيجيات غير مدروسة، واجتهادات شخصية ورغبات ذاتية .
لقد وقع حزب الدعوة في خطأ استراتيجي، عندما اعتمد على الولاء في مشروع الدولة دون النظر الى الكفاءة ، فقد سلم مناصب عديدة لاناس لا يملكون الخبرة ولا المعرفة في المواقع التي تسلموها . بالاضافة الى ذلك، لم يعمد الى إعداد كوادره بالطريقة الصحيحة بل غالى في تعيين الاقارب والمقربين والمحسوبية، ففسد الحزب، وبدأ التآكل ينخر في جسده و تشرذم ، وغلبت على قيادته المصلحة الشخصية ، وذهبت كل الشعارات التي تغنى بها ايام المعارضة ادراج الرياح ولهث جل اتباعه وراء السلطة والمال ، إلا ما رحم ربي .
سيتوقف التاريخ طويلاً عند حقبة ” ما بعد 2003″ وعتبة التاسع من نيسان التي اورثت العراق خراباً ودماراً وتفككاً ، واضاعت الهوية الوطنية، وحولت العراق الى دولة مكونات متصارعة .
ذ هب صدام وذهب الصدر كلٌ الى مكانه الذي اختاره ، في ذات اليوم ، لكن ما بقي هو الوطن و التاريخ .
لكن الوطنية غادرت اوكارها واصابها الوهن، وتناقصت بفعل العبثية السياسية واللا عقلانية المسيطرة على العقل السياسي العراقي.
فقد فشل الاسلاميون في تأسيس معادلة وطنية تتبنى التوزيع العادل للثروة وخلق فرص حياة كريمة على اساس الكفاءة والقدرة وليس المحسوبيات والعوائل المتنفذة .
وان تبقى لهم بعض المواقع فهي مسألة وقت ونزعات النهاية وتنتهي الى رفوف التاريخ .