نعيم عبد مهلهل
سماء ليل قرى المعدان أجمل ما فيها هو النجوم وهي تسطر حروفها أبجدية مرتبكة،ولكنها تشعرك أنها منظومة على شكل قصيدة تهطل على مرايا الأجفان قلائدَ نستعيد معلمعانها الذكريات والحنين واستعادة وجوه آبائنا وأمهاتنا في الاغتراب البعيد.
وللنجوم حساب في هيبة المكان، إنها ديكور غرف الليل التي لا سقوف لها حيث تصبحبوصلة توصل التائهين إلى أمكنة خلاص أرواحهم من قلقها، أو الذين يودّون الوصولإليها برغبة إنها مدن تشبه الجنة في توصيف (مُسعد) يوم تطوع في صنف البحرية،ورأى مدن البحر تتلألأ فيها النجوم والنساء معاً.
أتذكّر تلك الليالي التي أفتقد زحمتها هنا في السنة الألمانية حيث تكون الليالي التيتتلبد بالغيوم أكثر من تلك الليالي الصافية التي لا تفرط بتجوال خطوات النجومالضوئية بين بيوت القرية إلا في أسابيع قليلة وباقي العام بمقدور عمر الخيام المجيءهنا، وممارسة هواية ضرب الأرقام وطرحها وجمعها على خصر متخيل لجارية خرسانيةألهبت قلبه عشقاً وجعلته يختار منفى الحلم ويطوي حزنه ومنفاه بين أوراق كتاب كتبفيه رباعياته الشهيرة.
ويوم قرر ريكان موظف الخدمة في مدرستنا الذهاب لزيارة مرقد الإمام الرضا (ع) فيطوس إيران بعد أن تحسنت علاقة العراق مع إيران بعد اتفاق الجزائر، وليحمل لقب (زاير) عندما لم تسمح له علة في جسده وحزن فقدان ولده أن يعتمر صوب مكة حاجاً، قرر أنيذهب مع حملة زوار أغلبهم من أهل قرى الأهوار، انتقلت من الجبايش صوب المحمرة، ومنثم إلى طوس ومعصومة وقم.
قلت: هات لنا ياريكان شيئاً من عطر عمر الخيام.
فقال: سأسأل عنه إن كان من أبناء الأئمة، حتماً سأجد ضريحه، وأجلب لك مسبحة وتربةوراية لوالدتكَ التي هي من أوصتك.
قلت: ليس للأئمة أبناءٌ مدفونون في إيران عدا الإمام الرضا (ع)، وعمر الخيام شاعر أحبه،وهو الذي يجعلنا نمتلك السهر اللذيذ في الليل حين نسمع رباعياته.
احتج وقال: أستاذ أنا ذاهب لأزور الإمام وليس شاعرك.
اعتذرت منه، وعانقته لأخفف من غضبه وقلت له: ستكون أمي سعيدة عندما تجلب لها تربةومسبحة وراية خضراء من ضريح الإمام.
قال: الآن أفهم عنك، وعن مرادك.
وفي انتظار عودة ريكان، أسجل عاطفة الحنين لبراءة تلك الأيام، وكيف كان الخيام يلازمتوهج روحنا في شيء من صوفيات الكأس والحنين إلى طلل الأمكنة التي غاب عنهاالندماء، وحكايات شهرزاد لأستعيده صدفة في صداقة العالم الافتراضي مع شاعرة إيرانيةمن أصول أحوازية تكتب بالعربية.
سوية بدأنا نستعيد وهج الروح في تفاصيل غيبوبات الشاعر الحزين، أحلام نيسابور فيروحه، وكيف صاغ منها عبد الوهاب البياتي ملاحم لروحه المنفية.
والآن مريم الجالسة على نافذة التأمل في بيتها الأصفهاني، وريكان، عامل مدرستناالطيب الراقد في صمت ثراه وأبديته التي زيّنها بحصوله على زيارة للإمام الشهيد فيآخر عمره، والشاعر النيسابوري غياث الدين أبي الفتوح عمر بن إبراهيم الخيام، نعيشفي حميمية العالم الافتراضي عبر محادثات الماسنجر.
تسألني مريم: هل تتقد النجوم؟
أردُّ: حين يكون هناك أهوار وعمر الخيام والوجه الطيب لعامل الخدمة زاير ريكان…..!