علاء الخطيب
تعوَّدنا ان نطرح الأفكار المضادة لبعضنا البعض بثنائية الضد النوعي، ونتحمس لرفض الآخر ، باستحضار ثنائية الضد المخزونة باللاوعي .
انت مع الحشد …. انا ضد الحشد ، انت مع ايران…. انا مع امريكا, انت جوكري، انت ذيل ، انت علماني …. أنا ضد العلمانية، انت اسلامي … انا ضد الاسلامي
والعكس صحيح ، لم نفكر ان نصنع فكرة بديلة.
فكرة الضد هي فكرة البحث عن العدو المفترض ، وهي تعمل على صناعة فريقين متصارعين على الدوام ، لان اساس الفكرة ناشئة على الخصومة ، وبالتالي نهاياتها معروفة وهي المواجهة والصِدام . ففكرة الضد هي الفكرة التي لا تقبل التعايش مع الاخر ، باعتبارها فكرة متوترة مأزومة غير قادرة على صناعة الحلول العقلانية .
ودائماً ما يلجأ اصحابها الى الاثارة والتجييش، وشيطنة الخصم ، فهي الوسيلة الوحيدة للانتصار كما يعتقدون . ربما يكونوا منتصرين، ولكنه انتصار الوهم ، نعم منتصر ، لكن السؤال منتصرٌ على مَنْ ؟
ان أصل فكرة الضد متأتية من ثنائية الله والشيطان، اي الخير المطلق والشر المطلق ، وهي فكرة دينية بحته ، خرجت من رحم الموروث الثقافي الديني ، فالشيطَّنة أو الأبلَّسة مفهوم ديني لا يصلح في عالم السياسة ، الذي ليس فيه محرمات ولا مطلقات في العمل باعتبار ان عالم السياسة عالم متغير .
من هنا تعتبر الشيطنة عصا شديدة القوة تستخدمها الاديان من اجل فرز من لا يؤمنون بمعتقداتها ، وبالتالي يحق على الرافضين ( الكفرة ) العذاب دون اعترض من احد .
ولكون محاربة الشر وما يرتبط به طبيعةٌ
فطرية ، لذا يكون التسويق لفكرة الضد سهلة وميسرة .
استخدم السياسيون الثيوقراطيون والمؤدلجون بشكل عام ثقافة شيطنة الخصوم، لانها اسهل طريقة للوصول الى الهدف ، اذا ما علمنا ان اغلب السياسيين يراهنون على وعي الشارع العاطفي المنفعل.
ان نفي فكرة الضد ليست في مصلحة المتخاصمين سياسياً، لذا نراها رائجة على الدوام وحاضرة، متى ما وجدت العقول المريضة الخصبة .
ومن ناحية اخرى فان أفكار الضد تعيش على بعضها البعض وتكتسب ديمومتها من بعضها ، وان أقصت احدهما الاخرى عن مشهد الصراع لفترة ما ، لكن الاخرى لن تموت بل ستبقى حية تتربص باختها الدوائر للظهور مرة اخرى.
لازال العقل السياسي العراقي والعربي بشكل عام يعاني من ثنائية الفكرة ، باعتباره عقلاً موتوراً ومأزوماً ، يؤمن بثقافة صناعة الأعداء ،حتى لو كانوا وهميين.
لم يتمكن هذا العقل في مسيرته السياسية وعبر مراحله التاريخية من البحث عن فكرة ثالثة تستوعب الفكرتان، ليمنحنا قدر اً من العقلانية كمواطنين ، بل جعلنا ندور في فلك التبرير لفكرة الضد ، بالطائفية مرة وبالقومية اخرى وثالثة بالمدنية ، وكل هذا والعناد هو السيد المسيطر على انفعلاتنا النفسية .
ففي كل حدث يتجدد الصراع بين العراقيين ، وينقسمون الى فريقين مؤيد ومعارض ، وتتصاعد موجة الاتهامات والتخوين والعمالة ، ومن الطبيعي ان نتوقع المواجهة بينهما ، فلكل فعل رد فعل يساويه بالقوة يعاكسه بالاتجاه.
ففي المواجهة يخسر الجميع وفِي المقدمة الوطن .
ربما نتمنى ان ينتهي الصراع في وطننا ونعيش بثبات ونبات ونجيب صبيان وبنات ، لكن التمني ” رأسُ مال المفلسين ” فوحده ليس كافياً . نحتاج الى نهضة عقلانية حقيقية ، وهذه النهضة لا يصنعها الشارع المنفعل بل تصنعها النخب المستنيرة .
حينما نتحدث عن الفكرة الثالثة،نعني بذلك الفكرة المسترخية الفكرة الخارجة من رحم الخير، التي لا تنمو معها الطفيليات السياسية، ويمكن ان نطلق عليها نقطة الشروع الجديدة لمشروع جديد.
الفكرةُ الثالثة / علاء الخطيب
(Visited 5 times, 1 visits today)