علي حبل المتين
كنا ثلاث أصدقاء جالسين وكالعادة نبدأ بحوار ونتتهي باخر لايمد له باي صلة وهذا هو المتعارف من اللف والدوران لتمضية الوقت بدل الانشغال بالأمور المزعجة ومحاولة للخروج عن المألوف، فكل ما يشغل المجتمع هو نتائج سياسية وبدوره يتبادل اراءه وتنبؤاته فتنتهي بالتهاتر والمناكفات، ألا أن حديث السياسة يثقل القلوب ويورثها الهم والغم والأفضل الانشغال عنه بامورٍ أخرى وأن كانت من العبثية، المجتمع العراقي مليئ التكهنات لكنه لا يفتئ النجاة منها…
كان أحد الاصدقاء يشكو من مرض اصاب آحد أفراد عائلته، يقول اخذناه ألى عدة أطباء كلهم حاولوا بلوغ الأسباب ولكن بعد الملل واليأس والتي واللاتِ وصلنا لطبيب ذائع الصيت توصل معه إلى علاج، وبعد أستمرار المراجعة وعرضه على الطبيب المختص لم نجد نتجة وكان العلاج كالمسكن فقط لا يغني ولا يشبع، ثم قال كان لدي صديق صيدلاني راجعته لمعرفة السبب وعندما عرضت عليه العلاج قال لي بتعجب وأستغراب من وصفه لك!؟ أجبته الطبيب الفلاني؛ قال هذه الوصفة غير متوفرة! قلت له نعم كان يوفر العلاج بنفسه ويبعنيه بسعر عال؛ قال هذه الأنواع من الادوية تدخل عن طريق التهريب لهذا هو غالي الثمن وهو لاينفع يستعمل كمخدر فقط…
يقول انا لم اقتنع من جوابه وقلت في نفسي هل هو اعرف من الطبيب المختص؟ فنهرته بغضب الطبيب مشهور
أجابني متبسماً لا يفرق عن الأخرين إنه يعمل باجتهاده فقط،
وبينا نتحدث دخل عليه احد المراجين طلب منه صرف وصفته، قال له انت لاتحتاجها استعمل بعض الفواكه والفيتامينات لكن المراجع الح عليه وكانه لم يقتنع مثلي، يقول فكرت في المدة المنصرمة لو أني كنت أستخدم مع مريضي فقط المغذيات والأمور الطبيعية المعتادة وتجنبت التكلفة التي لم تات بنتيجة ولما أحسست أن الطبيب كان يعاملني كأني مستهلك لعلاج يريد الترويج له كنت ومريضي ضحية اجتهاده الخاطئ ولم يكلف نفسه الإتصال ومعرفة عزوفي عن مراجعته أدركت أن لكل مجال فيه مستغلين يشوهون صورته، غير الذي يدعون اليه ويستخدموه لتمرير مبتغاهم…
كان هذا صديقي ينفر من الدين بسبب بعض المنتسبين والمحسوبين عليه فقلت له فمثلًا لو كنت متبع طيلة تلك المدة رجل دين يعمل باجتهاده تاركًا تعاليم الدين السامية خلف ضهره كالطبيب الذي لم ينفعك بشيء بل صرف علاجه عليك وكنت تشعر تجاهه بالمنة وإنك كيف سترد جميله ولم تطالبه ببراءة اختراع العلاج ومعرفة مضاره ومنافعه وسلبياته وايجابيته، وداومت على العلاج وكلك أمل بالخلاص، كذلك كل من نتبعه على عمى أبصارنا يصرف علينا اجتهاداته الخاطئة،
أن الدين وجد علاجًا للنفس وللروح مثلما وجد الطب علاجًا للبدن ولكن المجتمع لا ينفك عن نبذ هذهِ الطبقة الفاسدة المنبوذة جزاء اعمالهم العقلية والذهنية الفاسدة من جميع مستغلي الاختصاصات والعاملين وفق أجتهادات مصالحهم وأن الانسان اذا كان منساق وبقوة نحو المصلحة المادية سوف يرفض كل تدخل عقلاني خارج تحقيق مصلحته المرادة سواء في الطب أو في لباس الدين فهي خرقة عند أهل الخبرة يرتديها الطبيب السفاح ورجل الدين الفاسد ولكل مجال اهل تكهن يعملون بما يصب لمصالحهم الخاصة لذلك اوجب علينا الشارع السؤال عند أهل الخبرة والفحص والتمحيص لأنا لانريد إن نكون ضحية علاج لا ينفع…
كما أن العقل وهو سيد الجسم يأمرنا بمراجعة الأعلم الحاذق المعهود منه حسن التجربة لانه للواقع أقرب وللنجاة أرجح، أن أعتبار رأي أحدهم قدسي يمنع كل دور للعقل ويشل كل حركة تحاول تحريره من هذه المهلكة، لقد سلمنا عقولنا للطاعة العمياء وتقديس أناس حق قدرهم مربط الخيل وأن كانت الخيول أكثر ذكاءً وأسرع حركة، يقول ويلسون إن العقل البشري يكون فعالًا ويعمل بإنضباط صارم ومدهش متى ما رسمت إمامه خارطة واضحة المعالم للأهداف المتوخاة إما بغير هذا فسوف تستحيل القدرة العقلية الجبارة خواءً يدفع بصاحبه إلى الضجر المستديم بلا نهاية…
والآن ياعزيزي القارىء أنت أمام مهمة تكليفية تقع على عاتقك وهي أطلاق العنان للعقل وتشغيله وحاذر أن تكون عبداً لغيرك ووقت طلب الحرية لات حين مناص وقد خرج الأمر عن طوعك رجل دين، عالم، طبيب، مهندس، حرفي، كل يعمل باجتهاده لكن العبرة لمن يعمل لوجه الله وطلب مرضاته ومن يعمل لكنز الدنيا واستهلاك عقول الاخرين وجعلهم آلات لتجاربه (واللبيب من الاشارة يفهمُ).