علاء الخطيب
كان العالم بعد الحرب العالمية الثانية يتجاذبه معسكران شرقي يمثل الاشتراكية وغربي يمثل الرأسمالية والليبرالية ، وفي العام 1961 اطلق الثلاثي جواهر لال نهرو وجمال عبدالناصر وجوزيف بروز تيتو “حركة عدم الانحياز ” وتهافتت الدول الضعيفة للدخول فيهذه الحركة املاً في التخلص من الهيمنة الاستعمارية ، وكان الغرض الرئيس من تاسيسالحركة انذاك هو الوقوف على الحياد في صراع الحرب الباردة بين الناتو. و وارشو ،فارتفع شعار ” لا للشرق … ولا ….. للغرب “ لكن الحقيقة كانت مختلفة فالدول المنضويةتحت لواء الحركة كانت شرقية الهوى تميل الى “الاتحاد السوفيتي “ فالزعماء كانوا ذاتنزعة اشتراكية وميول شرقية .
فالقوم في السر غير القوم في العلن .
وفي العام 1979 رفع الامام الخميني شعار ” لا شرقية … لا غربية … جمهورية اسلامية” واراد ان يقدم نموذجاً سياسياً وفكرياً وثقافياً جديداً الا هذا النموذج وجد نفسه بعدعقود يقف الى جانب الشرق المتمثل” بالصين وروسيا”
والحقيقة ان شعار عدم الانحياز أو “لا شرقية. … لا غربية“ محض شعار غير واقعيوهو كذبة ووهم او يمكن ان نقول عنه انه حلم منتصف النهار من احلام اليقظة و ليسجديداً ، فمنذ القدم كانت هناك اقطاب قوية تتشكل منها محاور تلجأ اليها الدول الضعيفة.
ولعل منطقة الشرق الاوسط هي المنطقة الوحيدة في العالم التي تحتاج الى المحاور ،كما انها لا تستطيع ان تكون مستقلة ، فلعاب الدول العظمى لا يسيل الا على نفطهاوغازها وخيراتها، والصراع لا يحلو إلا على اراضيها .
لكن تبقى شعوبها تحلم بـ ” لا شرقية و لا غربية ” كما تحلم بالاستقلال، البعيد المنال.
فالحلم مسموح ، والحقيقة ممنوعة ، و هذه هي المعادلة الواقعية في منطقتنا .
و العراق ليس بدعاً من بقية الدول ، ولا العراقيون بدعاً من الشعوب، يحلمون بلا شرقيةولا غربية ، لكن الواقع اقوى من كل الشعارات ، فالمكونات العراقية لا يمكن ان تعيش دونان تستند على الشرق او الغرب ، فمنهم من يتجه شرقاً ومنهم من يتجه غرباً . وكأننامصداق للاغنية العراقية ” نوبه شمالي الهوى ونوبه الهوى جنوبي ، ويندار ويه الهوىگلبك يمحبوبي”
وكما يقال ان دوام الحال من المحال ، فان مواسمنا هي الاخرى تدور حسب اهوائناورغباتنا الانفعالية.
وبما اننا شعب عاطفي، ومتطرف في حبه وكرهه ، وكرمه وبخله وشجاعته وجبنهوشهامته وامتناعه ، لذا تدور عواطفنا بين الحب المفرط و الكراهية المفرطة، وهكذا تعاملنامع الحكام ، من التأليه الى السحل في الشوارع.
وكذلك مع علاقتنا الخارجية سواء الاقليمية منها او العربية فمن الاندماج و” السمن علىعسل ” الى التخوين والمؤمرات.
ونعيد الكره في كل مره ، نحب الشرق ونكره الشرق ، ونحب الغرب ، ونكره الغرب، ونتيهبين العقلانية واللا عقلانية.
نحب الحياد لكننا ننحاز الى دولة دون اخرى ، وحسب الموسم .
فعدم الانحياز كذبة نحاول ان نصدقها
فلا حياد ما دام هناك قوي وضعيف .
فقد ذهب نهرو وناصر وتيتو وبقيت الكذبة مستمرة .