أي تي وبساط الريح نعيم عبد مهلهل

أي تي وبساط الريح نعيم عبد مهلهل

نعيم عبد مهلهل

عَبْر ذكريات المكان، عندما يتوهّج فيكَ في ليلِ مدن الغياب الحنينُ إلى ما كان يعيش هناك، ولم يزلْ يمارس طقوسه، ولكن بمتغيراتِ عصر جديد.
عصر يعيش متغيراته في المكان الذي عشت فيه لثلاثين عاماً معلماً يكشف أمام أجفان التلاميذ فضول الخرائط والمدن وأحاول أنْ أعبر بأخيلتهم إلى أبعد من مركز مدينة الجبايش، وكأني أصعد بهم على بساط ريح يستأنسون فيه لمشاهدة ما لا يصدقونه لولا كتاب الجغرافية.
ولأن البُسط غير غريبة عن حياتهم، فبعض النساء والرجال هنا يتفننون في صناعته في بعض البيوت ويسمونهم (الحِياج)، وكان من يتفنن بصناعته في قرية بجهة القرنة، لكن المعدان يحرصون دوماً على شراء البساط (الحياوي) والذي يصنع في قضاء الحي جهة الكوت لإتقان صنعته، غير أن البسط التي تحيكها بعض النساء ظل يحمل كائنات بأشكال فطرية، عدها الآثاريون الذين زاروا القرية أنها امتداد للنقوش والرسوم السومرية الأولى.
اليوم أتذكّر تلك الكائنات المرسومة على تلك البسط التي يطغى عليها اللون الأحمر، وقد بدت تلك الكائنات والحيوانات المرسومة بشكل غير مرتب، وكأنها كائنات آتية من كوكب آخر، حيث نحافتها ورؤوسها تشبه تماماً الكائن أي تي، في فيلم الخيال العلمي الأمريكي الذي أنتج عام 1982، وهو من إنتاج وإخراج ستيفن سبيلبرغ وكتابة ميليسا ماثيسون، ويحكي الفيلم قصة صبي اسمه إليوت (Elliott) يصادق مخلوقاً فضائياً ودوداً ضلّ سبيله إلى كوكب الأرض، فيحاول إليوت مساعدته للعودة إلى كوكبه الأم من دون أن تعرف أمه والحكومة بأمره. أي. تي كان هو اسم ذلك المخلوق الفضائي.
في تلك الأيام أردت أن أثبت لتلامذتي أن تلك البسط الجميلة بزخرفتها البدائية والكائنات التي تبدو أشكالها أقرب لما يتخيّله العلماء لكائنات ربما تهبط إلى الأرض قادمة من كواكب بعيدة، ولأقرّب لهم فكرة لا تستوعبها عقولهم الفطرية من أنَّ لهم أصولاً سومرية، ومن بعض تلك الافتراضات في هذه الأصول، أن السومريين جاؤوا من الفضاء الخارجي والبعض افترض أنهم هبطوا من المريخ.
وقتها جئت لهم بالإعلان الخاص لفيلم أي تي، وقلت لهم: هذا الفتى الهابط من كوكب بعيد من السماء يشبه الرؤوس التي تنسجها أمهاتكم على البسط…
سكن الذهول التلاميذ، ولم يفهموا شروحاتي بسبب غرابة هكذا طرح يسمعونه لأول مرة، ولكنهم راحوا يقارنون في خواطرهم تلك الكائنات الموجودة على البسط بهذا الكائن الذي علقت صورته على جدران الصف، وأغلبهم هرب من رؤية الصورة بحجة أن صورته (تخرع) أي تخوِّف، وفي اليوم الثاني أتت شكوى من أب قال: إن ولده لم يَنَم في الليل عندما زاره كابوس له وجه أي تي.
لكن الطفل قال: إن أي تي هذا لم يفعل له شيئاً يؤذيه، بل مدّ يديه العظيمتين ليسلّم على التلميذ (منشد) لكن منشداً فر هارباً، وسقط من السوباط على الأرض وهو يصرخ: بويه الحكلي…..!

(Visited 12 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *