مواويل جنوبية
عبدالسادة البصري
حينما دبّتْ قدماي على درب القراءة والكتابة، انعكس كل ما أقرأه على مجرى حياتي،وعلاقاتي مع الناس. الاحترام والمحبة وتفهّم الآخرين هو عنوان كل تصرفاتي، لهذا ظلَّوالدي يقول لأترابي: ابني هذا مثقف ومتحضّر. ما حدا بأترابي وأقراني أن يمتعضوا منكلامه لعدم فهمهم ما يعنيه، فأخذوا يغارون منّي، ويشاكسونني ويتشاجرون معي دونماسبب، إلى أن قلت لهم ذات يوم بعد أن ضقت ذرعا بتصرفاتهم :- أخواني ،،، أبي لم يقصدأهانتكم والحطّ من قدركم وتفضيلي عليكم ، بل أراد أن يقول لكم تصرفوا مثله ، انه يقرأكثيراً ويتعلم أكثر ، ويطبّق كل ما يتعلمه من الكتب أدبياً وعلمياً وفنياً واجتماعياًوانسانياً في حياته معكم ومع الآخرين !
بعضهم تفهّم كلامي والآخر أخذه على انه تبريرٌ لما قاله أبي !
تذكّرت تلك الأيام التي مرّ عليها ما يتجاوز النصف قرن ،، وأنا أعيش وأشاهد وأسمع وأقرأعن اختلاف وجهات النظر وعدم فهمنا لبعضنا ، وكأننا نعيش في غابة بعضنا أعداءبعض ، لا أبناء جلدة واحدة نعيش المعاناة نفسها والآلام نفسها والخراب نفسه ، وينخرالفساد في كل مفصل من مفاصل حياتنا ، حتى بتنا لا نعي ما نقول ، أو لا نريد أن نعي مايدور حولنا أو ما نقول أو ما يقوله الآخرون ، بل نرفع عقيرتنا بالضدّ من كل مَنْ يحاول رفعالحجاب والغشاوة عن عيوننا ليقول لنا :- ابصروا الحقيقة إنها واضحة كالشمس ، مالكم لا تفقهون ؟!
صرنا نتنابز بالألقاب ، ونشتم بعضنا ، لأدنى كلمة أو جملة تُقال هنا أو هناك ، دون أننقف قليلاً لنتأمّل هذه الكلمة ونفسّرها جيداً ، بل أخذ الواحد منّا يطالب بالقصاص منالآخر لأدنى سبب دون أن يعرف فحوى هذا السبب !
علاقاتنا باتت متوتّرة جداً ، رغم ما نعيشه من بؤس وخراب وفساد في كل شيء !
أحلامنا تأجلت كثيراً، بل وُئدت في مهدها دون أن نبحث عن السبب ، وأعتقد أننا نعرفهجيداً لكننا صمٌ بكمٌ عميٌ لا نريد أن نفتح أعيننا وآذاننا ونصرّح بالحقيقة المرّة التي لمتترك لقائلها صاحبا كما قال الإمام علي (ع) “لم يترك لي الحقّ صاحبا“!
آمالنا.. وهل هناك من أمل، أو حتى بارقة أمل تلوح في الأفق، ونحن حتى هذه اللحظة لمنفهم بعضنا جيدا، نعيش متباعدين متقاطعين متعاكسين مع بعضنا دون أن نعي ماذايعني هذا التباعد والتقاطع والتعاكس. انه يعني المزيد من التدهور والخراب واستفحالالفساد والفاسدين !
إذا أردنا أن نبصر الحقيقة بوجهها المشرق ودونما حجاب أو غشاوة، علينا أن نفتح قلوبناوضمائرنا وأرواحنا لبعضنا، ونجلس مع بعض نتحاور ونتناقش إلى أن نصل إلى الحلالأمثل والأنسب لكل شيء، أمّا إذا بقينا على ما نحن عليه فلنقرأ على البلد السلام !!