مقاومة الاحتلال / د. عبد الحميد الصائح

مقاومة الاحتلال / د. عبد الحميد الصائح

عبد الحميد الصائح

حين حمل السيد مقتدى الصدر السلاح في مواجهة الأمريكان بُعَيدَ الاحتلال الأمريكي للعراق وقف جميع من هم الآن في العملية السياسية حينها ضد قراره وضد الحرب التي دارت في النجف ومناطق أخرى من البلاد بدعوى انها مواجهة في غيرمحلها وانها خروجٌ عن العملية السياسية التي وضعها الأمريكان لإدارة الدولة في المستقبل، وأنها محاكاة لفعل بقايا النظام السابق وتنظيم القاعدة ومسلحيه الذين يريدون اخراج الأمريكان من العراق بالعنف والتفجيرات وابشع انواع الاغتيالات السياسية . في وقت كان الامريكان هم الحاكمين الفعليين وهم الذين يحددون مصير البلاد ويديرون وزاراتها، جيوشهم تنتشر في الشوارع ومداخل المؤسسات ، بل ان كل من ينطق كلمة احتلال يعد في تصنيف البعثيين أو القاعدة أو المعادين للعملية السياسية ، حتى القنوات الفضائية الرسمية وغير الرسمية الموالية لحالة مابعد 2003 كانت تصفهم في سياستها التحريرية ( بالقوات متعددة الجنسيات ) بدل التوصيف الرسمي الذي انتزعته الولايات المتحدة الأمريكية من مجلس الامن بكونها قوات احتلال تتعهد حسب ذلك التوصيف بما يحتم عليها من التزامات. فيما رأى بعض العراقيين ومنهم ( شيعة تحديداً ) أن مافعله الصدر يومها كان بمثابة حفظ ماء الوجه لكسر الصورة النمطية التي شاعت لدى العرب والعالم “بأن العراقيين رحّبوا بالأمريكان وأن الأمريكان جاءوا دعما للشيعة وتحريرهم من حكم السنة”. وهي صورة خسيسة أجابت عليها المواجهة المشتركة ضد الاحتلال في تلك الفترة بحيث تصدرت الفلوجة والنجف نشرات الأخبار العالمية ، وسط سخط سياسي من سياسيي العراق المنسجمين في ذلك الحين مع مايسمى ( المقاومة السلمية ) ( والعملية السياسية ) التي بقيت حتى اليوم مجرد عملية لم تبلغ سن الرشد الى سياسة ناضجة.
وحين بدأت مباحثات العراق والأمريكان لتوقيع اتفاقيات خروجهم في ولاية باراك اوباما الاولى وتنظيم العلاقة مع الدولة العراقية الجديدة وقعتها الحكومة العراقية في زمن السيد نوري المالكي ،كان الاعتراض (الوحيد) ياتي أيضاً من قبل الكتلة الصدرية التي دخلت العملية السياسية بعد تلك الحرب، وكلنا يتذكر كيف أخذ النواب الصدريون يطرقون على الطاولات من أجل التشويش على جلسة البرلمان التي انعقدت في السابع والعشرين من تشرين ثاني / نوفمبر من أجل الموافقة على ماورد في ماسميت باتفاقية الاطار الاستراتيجي والاتفاقية الامنية ، بدعوى أن الاتفاقيتين لاتنصان على خروج كامل للاحتلال وأن بنوداً منها تشرعن بقاءً طويل الامد وتجعل العراق تحت الوصاية الأمريكية الى أمد ليس قصيراً حسب الرؤية الصدرية.
اليوم نجد الحال معكوسة تماما ففي الوقت الذي لم يعد الوجود الامريكي بتلك السعة وهناك مباحثات وتوافقات تفضي بالنتيجة الى خروج آخر جندي أمريكي من العراق وفق الجداول المتفق عليها وحسب تقدير الحكومة العراقية الى الحاجة والضرورة ، نجد العملية السياسية التي كانوا حريصين عليها من نتائج هكذا مواجهة، اليوم تحت رحمة الصدر وواقعيته بل ونصائحه المتوازنة ،مقابل اولئك الذين كانوا ينتقدون سلاحه ضد الأمريكان وهم في أوج احتلالهم ، بل يصفون هذا التوازن والحفاظ على بيضة (عمليتهم السياسية) التي فشلت طيلة السنوات الماضية في تقديم أية خدمة فعلية لهذه البلاد يصفونها بانها اصطفاف أمريكي وربما أبعد من ذلك . أي أن الشخصيات ذاتها المعترضة سابقا على المقاومة تدعو اليوم لحمل السلاح خارج سلطة الدولة لمقاومة الاحتلال فيما يدعو الصدر الى الامتناع عن ذلك .هكذا تروّج الصورة في ادارة منفعلة للصراع وترحيل الازمات السياسية الى ازمات امنية ومواجهة بين ابناء البلد الواحد أو تقديم شباب العراق المخلصين قرابين للوهم،وهي ذرائع ليس الا . لأنها حتما ستصب في مصلحة الامريكان أنفسهم وجميع المتربصين بالعراق الذين يريدون أن يرَوه هباءً منثوراً.

alsayah75@hotmail.com

(Visited 7 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *