محمد السيد محسن / كاتب واعلامي عراقي
—–
لمظفر النواب ايقونات شعرية تم استخدام بعضها كأمثلة دارجة , والبعض الاخر تم استخدامها مثل صيغة ابداعية لم يجرؤ احد بعده ان يعيد استخدامها لأنها باتت حصرية له , وسرعان ما يؤشر اي سامع لمستخدم ما ذكره مظفر بأن هناك حالة تقليد او تأثر سلبي.
اشتهر لمظفر بعض الامثلة , وقد ذكر الشيخ جلال الحنفي في كتابه الامثال البغدادية بعضها , مثل : ايام المزبن كضن تكضن يأيام اللف , وهو المقطع الذي استخدمه مظفر كخاتمة للابيات الشعرية التي تكونت منها قصيدة “ايام المزبن”.
كما اشتهر بين العامة مقطع شعري بدأ المتابعون والمتحدثون له باستخدامه كمثل شعري عربي , وهو ما ذكره في قصيدة وتريات ليلية , الحركة الاولى , وهو : ان الواحد منا يحمل في الداخل ضده.
في هذا المجال هناك امثلة كثيرة , ويبدو ان بعض الشعراء يحاول ان يجد له خصوصية في استخدام ثيمة ما كي تبقى مسجلة بإسمه كماركة مسجلة , اسوق مثالا في هذا الشأن ما امتاز به مثلا “عبد الرزاق عبد الواحد” حيث درج على تعريف الفعل , والمعروف ان الفعل لايكون قرينة لأل التعريف , لكنه من الممكن ان يستخدم في اللهجة الدارجة , مثلما يقول القائل : اليقتل , كناية عن تعريف القاتل , او اليبكي , كناية عن البكاء.
وظف عبد الرزاق عبد الواحد هذا التعريف الملحق به الفعل في قصيدته العمودية الفصحى واخذ به شهادة سبق حصرية حيث يقول في قصيدة نائي الدار:
دماؤهم هذه التجري .. هياكلهم
هذي .. أقتلى بأيدي اهلهم قتلوا
ويعتبر عبد الرزاق عبد الواحد اول من اضاف ال التعريف الى بداية الفعل , وسرى هذا التوظيف يعرف بإسمه.
اما مظفر النواب فقد استخدم في غزله وتوصيفه لمحبوبه ياء التعريف ووظفها في عدة مواقف لفظية في اللهجة الدارجة , فتارة يلحقها بفعل , وترة يعاتب فيها , وتارة يعطي اشارة للقارئ والمستمع انه عاجز عن وصف المحبوب. وقد استخدم ياء النداء بشكل لم يسبقه اليه اي شاعر , حيث جاء ب “يا” وهي تفيد النداء , بيد انه استثنى من التعريف ما يستحق الاندهاش والوقوف امام محبوبه وجماله , فقال له : يا .. شكلك
وقد اشتهرت عن مظفر انه استخدم ياء التعريف , ثم استثنى ان يكمل نداءه الى محبوبه , بصيغة الوصف فقال له يا شكلك , وهي جملة لم تستخدم حتى عند العامة في اللهجة الدارجة.
ومرة اخرى استخدم مظفر ياء النداء وربطها مع فعل يشير الى الاستثناء , حيث قال في قصيدة “ليل البنفسج ” والتي حولها طالب القرغولي الى اغنية اشتهرت بذات الاسم , غناها ياس خضر , قال يا .. شنهي .. واحبك .
“يا” تستخدم للنداء , ويفترض ان يتبعها المنادى حسب السياقات اللغوية المستخدمة في الفصحى واللهجة الدارجة , لكنه استثنى ان يأتي بالمنادى وجاء بفعل يعبر عن عجزه على وصف محبوبه فجاء ب: شنهي , وهو سؤال في اللهجة الدارجة يعني اداة سؤال في الفصحى قد تعني : ماذا , او سؤال عن اي شيء , ثم ترك المنادى لينتقل الى المصارحة مع الحبيب ويعترف بحبه فيقول له .. واحبك , ليكتمل المعنى لهذا المقطع : ايا ما تكون ساحبك , او كيف ما تكون سأحبك , او هو غزل بصيغة التساؤل يعني : ما أنت .. لكنني ساحبك.
ان هذا التوظيف الغزلي في شعر مظفر كان له بمثابة الايقونة الشعرية التي لم يتطرق اليها احد من قبل.
وفي قصيدة ” كالولي عليك هواي” وهي ايضا قصيدة حولها طالب القرغولي الى اغنية بعنوان “روحي” , تفرد مظفر النواب باستخدام اداة النداء “يا” فقط دون ان يكمل المقصد بالمنادى , بل ودون ان يكمل الجملة , لشدة ما اخرسه جمال المحبوب , فيقول: يا … هلبت تجي وترتاح. حيث جاءت هذه الجملة في سياق القصيدة كالاتي:
تعال بحلم… ,أحسبها إلك جيّه واكَولن جيت
يلي شوفتك شبّاج للقاسم… ودخول السنة من الكَاك
يا فيّ النبع واطعم…. عطش صبّير ولا فركاك
يلرهميت… يا مفتاح فضة ولا رهم غيرك عليّ مفتاح
أجوت لك مخدتي وانطر الشبّاج اليجيبك
وانت عرس الليل والقدّاح
يا .. هلبت تجي وترتاح؟؟
——-
وجاءت جملة “يا هلبت تجي وترتاح” , بصيغة السؤال الاتفهامي والاستنكاري مع بعضهما البعض , وهي كناية عن العجز الذي ابتلى به العاشق امام وصف محبوبه.
وفي نفس القصيدة ايضا وظف مظفر ياء النداء ولكن اتى بعدها ب فعل شكلك , اي .. ماذا يمكنني ان اقول لك , كناية عن العجز في وصف الموقف الشعري , حيث قال :
وكَالولي عليك هواي…. ورحت ابراي وجيت ابراي
حسبالي سنة وسنتين وتلاثة
واشوفك ذاك البكَلبي…. واضوكَــ ماي
حسبالي اشوفك ابن اوادم…. يا شكَلك… موش اشوفك هاي
ولا حسّيت……. ولا استخطيت
ولا جيت اعله ماي
تبيع بيّه وتشتري بالسوكَــ
لا ما جيت
وكَالولي عليك هواي… كَالولي…
كَالولي…
كَالولي
——–
يا شكلك , هنا اخذت معنى العتب , بيد ان الشاعر يحاول ان يعطي ملامح لهذا العتب ولشدة محبته لمحبوبه فهو لا يستطيع ان يكمل العتب ليخرسه الموقف فيستخدم ما يعبر عن يأسه في ان يكون قاسيا او صريحا مع محبوبه فيقول له : يا شكلك. ولم تتضمن اللغة العربية الفصحى اي ملحق ب “ياء النداء” يحمل صيغة الاستفهام. تلك من ابداعات مظفر النواب.
مظفريات يا.. شكلك 26 / محمد السيد محسن
(Visited 3 times, 1 visits today)