أد مصطفى لطيف عارف / ناقد وقاص عراقي
عد العنوان من أهم عناصر النص الموازي وملحقاته الداخلية؛ نظرا لكونه مدخلا أساسيافي قراءة الإبداع الأدبي, والتخيلي بصفة عامة، والقصصي بصفة خاصة, ومن المعلومكذلك أن العنوان هو عتبة النص وبدايته، وإشارته الأولى, وهو العلامة التي تطبعالكتاب أو النص, وتسميه, وتميزه عن غيره, وهو كذلك من العناصر المجاورة والمحيطة بالنص الرئيس إلى جانب الحواشي,والهوامش, والمقدمات والمقتبسات والأدلة الأيقونية , لقد أهمل العنوان كثيرا سواء من قبل الدارسين العرب أم الغربيين قديما وحديثا،لأنهماعتبروا العنوان هامشا لاقيمة له, وملفوظا لغويا لايقدم شيئا إلى تحليل النص الأدبي؛لذلك تجاوزوه إلى النص كما تجاوزوا باقي العتبات الأخرى التي تحيط بالنص , ولكنليس العنوان الذي يتقدم النص ويفتتح مسيرة نموه يقول علي جعفر العلاق مجرد اسميدل على العمل الأدبي يحدد هويته، ويكرس انتماءه لأب ما, لقد صار أبعد من ذلك بكثيروأوضحت علاقته بالنص بالغة التعقيد, إنه مدخل إلى عمارة النص، وإضاءة بارعةوغامضة لأبهائه, وممراته المتشابكة لقد أخذ العنوان يتمرد على إهماله فترات طويلة،وينهض ثانية من رماده الذي حجبه عن فاعليته، وأقصاه إلى ليل من النسيان, ولم يلتفتإلى وظيفة العنوان إلا مؤخرا , وعلى الرغم من هذا الإهمال فقد التفت إليه بعضالدارسين في الثقافتين العربية, والأجنبية قديما وحديثا، وتنبه إليه الباحثون في مجالالسيميوطيقا, وعلم السرد ,والمنطق, وأشاروا إلى مضمونه الإجمالي في الأدب, والسينما,والإشهار نظرا لوظائفه المرجعية, واللغوية, والتأثيرية والأيقونية, وحرصوا على تمييزهفي دراسات معمقة بشرت بعلم جديد ذي استقلالية تامة، ألا وهو علم العنوان الذي ساهمفي صياغته وتأسيسه باحثون غربيون معاصرون منهم: (جيرار جنيت,وهنري متران,ولوسيان گولدمان, وشارل گريفلوروج, روفروليوهويك )الذي يعرف العنوان بكونهمجموعة من الدلائل اللسانية , يمكنها أن تثبت في بداية النص من أجل تعيينه ,والإشارةإلى مضمونه الإجمالي ومن أجل جذب الجمهور المقصود,هذا وقد نادى لوسيان گولدمانالدارسين ,والباحثين الغربيين إلى الاهتمام بالعتبات بصفة عامة، والعنوان بصفةخاصة, وأكد في قراءته السوسيولوجية للرواية الفرنسية الجديدة مدى قلة النقاد الذينتعرضوا إلى مسألة بسيطة مثل العنوان في رواية الرائي, لذي يشير مع ذلك بوضوحإلى مضمون الكتاب، ليتفحصوه بما يستحق من عناية ,وتعد دراسة( العتبات) لجيرارجنيت أهم دراسة علمية ممنهجة في مقاربة العتبات بصفة عامة ,والعنوان بصفة خاصة؛لأنها تسترشد بعلم السرد, والمقاربة النصية في شكل أسئلة ومسائل، وتفرض عنده نوعامن التحليل, ويبقى ليو هويك المؤسس الفعلي لعلم العنوان ؛ لأنه قام بدراسة العنونةمن منظور مفتوح يستند إلى العمق المنهجي ,والاطلاع الكبير على اللسانيات ونتائجالسيميوطيقا ,وتاريخ الكتاب والكتابة, فقد رصد العنونة رصدا سيميوطيقيا من خلالالتركيز على بناها ,ودلالاتها ,ووظائفها , كما أن النقد العربي لم يول العنوان أهمية تذكر،بل ظل يمر عليه مر الكرام, لكن الآن بدأ الاهتمام بعتبات النص وصار يندرج ضمن سياقنظري, وتحليلي عام يعتني بإبراز ما للعتبات من وظيفة في فهم خصوصية النص, وتحديد جانب أساسي من مقاصده الدلالية، وهو اهتمام أضحى في الوقت الراهنمصدرا لصياغة أسئلة دقيقة تعيد الاعتبار لهذه المحافل النصية المتنوعة الأنساق وقوفاعندما يميزها ,ويعين طرائق اشتغالها؟
ومن أهم الدراسات العربية التي انصبت على دراسة العنوان تعريفا وتأريخا ,وتحليلا, وتصنيفا نذكر ما أنجزه الباحثون المغاربة الذين كانوا سباقين إلى تعريف القارئالعربي بكيفية الاشتغال على العنوان تنظيرا وتطبيقا، إن العنوان عبارة عن علامةلسانية وسيميولوجية غالبا ماتكون في بداية النص، لها وظيفة تعيينية ومدلولية،ووظيفة تأشيرية أثناء تلقي النص ,والتلذذ به تقبلا وتفاعلا، يقول الباحث المغربيإدريس الناقوري مؤكدا الوظيفة الإشهارية ,والقانونية للعنوان تتجاوز دلالة العنواندلالاته الفنية ,والجمالية لتندرج في إطار العلاقة التبادلية الاقتصادية, والتجاريةتحديدا؛ وذلك لأن الكتاب لايعدو كونه من الناحية الاقتصادية منتوجا تجاريا يفترض فيهأن تكون له علاقة مميزة, وبهذه العلامة بالضبط يحول العنوان المنتوج الأدبي أو الفنيإلى سلعة قابلة للتداول، هذا فضلا عن كونه وثيقة قانونية ,وسندا شرعيا يثبت ملكيةالكتاب أو النص, وانتماءه لصاحبه ولجنس معين من أجناس الأدب أو الفن, إن العنوانهوالذي يوجه قراءة كتاب(ألواح رافدينية ) للدكتور عبد الأمير الحمداني ، ويغتنيبدوره بمعان جديدة بمقدار ما تتوضح دلالاته فهو المفتاح الذي به تحل ألغاز الأحداث,وإيقاع نسقها الدرامي, وتوترها السردي، علاوة على مدى أهميته في استخلاص البنيةالدلالية للنص، وتحديد تيمات الخطاب ، وإضاءة النصوص بها, إن العنوان كما كتبكلود دوشيه عنصر من النص الكلي الذي يستبقه ويستذكره في آن، بما أنه حاضر فيالبدء، وخلال الحديث الذي يدشنه، يعمل كأداة وصل وتعديل للقراءة, هو في الحقيقةمرآة مصغرة لكل ذلك النسيج النصي ,واسم فارغ، وهذا يعني أنه علامة ضمن علاماتأوسع هي التي تشكل قوام العمل الفني باعتباره نظاما, ونسقا يقتضي أن يعالجمعالجة منهجية أساسها أن دلالة أية علامة مرتبطة ارتباطا بنائيا لاتراكميا بدلالاتأخرى, ومن ثم فإن العنوان قد يجسد المدخل النظري إلى العالم الذي يسميه، ولكنهلايخلقه إذ إن العلاقة بين الطرفين قد لاتكون مباشرة كما هو الشأن في الآثار الفنية التييحيل فيها العنوان على النص, والنص على مجموعة علامات لسانية تشير إلى المحتوىالعام للنص إلى كونه لعبة فنية وحوارية بين التحدد واللاتحدد، بين المرجعية المحددةوبين الدلالات المتعددة وذلك في حركة دائبة بين نصين متفاعلين في زمن القراءة,وقد جسدذلك كاتبنا الدكتور عبد الأمير الحمداني في كتابه ( ألواح رافدينيه ) ,إذ يحلل عنوانكتابه بطريقة الحديث عن النصوص السومرية القديمة , فنراه يقول : سيجد المتلقي أنثمة محاولة للوصول إلى فهم معين لتلك النصوص , ولكل منا وجهة نظره في هذاالجانب , لذلك فان طريقة عرض الكتاب تستعين بمنهج معين مهم هو( الاثنوغرافيا) لأنهيسمح بمد جسور الحاضر المعاش مع الماضي الضارب في القدم , وهو ما يؤهل القارئلفهم معين للأحداث التي أسهمت في نشوء تلك الحضارة , ومعرفة أسباب المنحنياتالخطيرة التي مرت بها دويلاتها المؤسسة وسلالاتها الحاكمة إن (الواح رافدينية ) عنوانيقع ضمن ما يعرف بالسهل الممتنع إذا ما قراناه قراءة سطحية عابرة تكتفي بالنظر إليهنظرة جانبية , على أن النظرة المحايثة العميقة ربما تكشف لنا عما دفنه فيه مبدعه منأشارات, وعلامات دالة , وانطلاقا من كل هذا قد يكون بالإمكان تتبع عمل العنوان فيالنص والشروع في نمذجة تصنيفية ,للعناوين في كتاب الواح رافدينيه وفقا لعلاقاتهابالشرح والتحليل بالذات عن طريق الاختزال إلى الحد الأقصى, فإما أن المقدمة تعبرعن عنوانها تشبعه, وتفك رموزه, وتمحوه، وإما أنها تعيد إدماجه في جماع النص,وتبلبل السنن الدعائي عن طريق التشديد على الوظيفة الشعرية الكامنة للعنوان،محولة المعلومة, والعلامة إلى قيمة والخبر إلى إيحاء , يلتصق به العمل الشعري قديكون صورة كلية تحدد هوية الإبداع,وتيمته العامة، وتجمع شذراته في بنية مقولاتيةتعتمد الاستعارة أوالترميز, وهذه الصورة العنوانية قد تكون فضائية يتقاطع فيها المرجعمع المجاز، وقيامه بدور المركز في الحركة الشعرية ,وتحديد مصائر من يسكنه جعله يقومبدور البطولة الفعلية في النصوص الشعرية السومرية القديمة ,ويفرض نفسه علىعنوانها ,ويبلور رؤية المؤلف لعالمه, ومن هنا فهو صيغة مطلقة للكتاب ,وكليتها الفنيةوالمجازية, إنه لايتم إلا بجمع الصور المشتتة ,وتجميعها من جديد في بؤرة لموضوعاتعامة تصف العمل الأدبي، وتسمه بالتواتر, والتكرار والتوارد, إذن، فهو الكلية الدلالية أوالصورة الأساسية أو الصورة المتكاملة التي يستحضرها المتلقي أثناء التلذذ ,والتفاعلمع جمالية النص الشعري ومسافاته , وواحدة من العلامات المسمارية التي تؤلف اسم ( اينانا) جاءت من تطور لشكل الأفعى المتلفة حول عصا, أما قضية الأفعى والعصا فتعدابتكارا عراقيا انتشر في ثقافات واديان الشرق الأدنى, ولعل الأفعى التي سرقت عشبةالخلود من جلجامش أنما هي (اينانا) , وحدث ذلك بسبب رفض جلجامش الزواج منهابعد أن طلبت هي ذلك,فالصورة العنوانية قد تندرج ضمن علاقات بلاغية قائمة علىالمشابهة ,أو المجاورة, أو الرؤيا، فيتجاوز العنوان مجازيا مع دلالات الفضاء النصيللغلاف وتنصهر الصورة العنوانية اللغوية في الصورة المكانية لونا ورمزا, تميز كتاب(ألواح رافدينية ) بالسهولة , والبساطة , والوضوح , وعندما نعود إلى العنوان يتألف منمقطعين الأول (ألواح ) للدلالة على قدم المفردة فالنصوص المذكورة في الكتاب كانتمكتوبة في ألواح قديمة والثاني ( رافدينية ) للدلالة على بلاد وأودي الرافدين وقد ضمالعنوان دلالات أخرى هي (الماء والقصب والطين) للدلالة على الحضارة السومرية , والنصوص المسمارية القديمة التي تحدثت عن الأدب السومري القديم .
كلية تحدد هوية الإبداع,وتيمته العامة، وتجمع شذراته في بنية مقولاتية تعتمدالاستعارة أوالترميز, وهذه الصورة العنوانية قد تكون فضائية يتقاطع فيها المرجع معالمجاز، وقيامه بدور المركز في الحركة الشعرية ,وتحديد مصائر من يسكنه جعله يقومبدور البطولة الفعلية في النصوص الشعرية السومرية القديمة ,ويفرض نفسه علىعنوانها ,ويبلور رؤية المؤلف لعالمه, ومن هنا فهو صيغة مطلقة للكتاب ,وكليتها الفنية والمجازية, إنه لايتم إلا بجمع الصور المشتتة ,وتجميعها من جديد في بؤرة لموضوعاتعامة تصف العمل الأدبي، وتسمه بالتواتر, والتكرار والتوارد, إذن، فهو الكلية الدلالية أوالصورة الأساسية أو الصورة المتكاملة التي يستحضرها المتلقي أثناء التلذذ ,والتفاعلمع جمالية النص الشعري ومسافاته , وواحدة من العلامات المسمارية التي تؤلف اسم ( اينانا) جاءت من تطور لشكل الأفعى المتلفة حول عصا, أما قضية الأفعى والعصا فتعدابتكارا عراقيا انتشر في ثقافات واديان الشرق الأدنى, ولعل الأفعى التي سرقت عشبةالخلود من جلجامش أنما هي (اينانا) , وحدث ذلك بسبب رفض جلجامش الزواج منهابعد أن طلبت هي ذلك,فالصورة العنوانية قد تندرج ضمن علاقات بلاغية قائمة علىالمشابهة ,أو المجاورة, أو الرؤيا، فيتجاوز العنوان مجازيا مع دلالات الفضاء النصي للغلاف وتنصهر الصورة العنوانية اللغوية في الصورة المكانية لونا ورمزا, تميز كتاب(ألواح رافدينية ) بالسهولة , والبساطة , والوضوح , وعندما نعود إلى العنوان يتألف منمقطعين الأول (ألواح ) للدلالة على قدم المفردة فالنصوص المذكورة في الكتاب كانتمكتوبة في ألواح قديمة والثاني ( رافدينية ) للدلالة على بلاد وأودي الرافدين وقد ضمالعنوان دلالات أخرى هي (الماء والقصب والطين) للدلالة على الحضارة السومرية , والنصوص المسمارية القديمة التي تحدثت عن الأدب السومري القديم.