علاء الخطيب
المخاضات الفكرية التي تمر بها مجتمعاتنا ولَّدت انعطافات حادة وهزات اجتماعيةعنيفة أنتجت ظواهر متعددة كـ ظاهرة التمرد العائلي ، والاستقلالية الفردية و العقلانيةالمحضة .
ومن جملة ذلك شغلت ظاهرة الإلحاد الكثير من المجتمعات العربية والاسلامية ، وفشلت كل الحلول للحد من جموح هذه الظاهرة وتمددها بإزاء تراجع دور الدين كمحرك اجتماعي فاعل لاسباب شتى منها :
عدم قدرة المنظومة القيمِّية الدينية على الصمود امام مظاهرالحداثة البراقة التيتمكنت من الحضور المادي الفعَّال، و طغيان الثقافة المادية وأدواتها على قيم الايمانبالغيب علاوةً على أرجحية النموذج المادي الملموس على النموذج الروحي المتخيل. فقدحمَلت القيم الدينية بذور فنائها بسبب أداء مايسمى برجال دين وانشغالهم بشؤونمادية على حساب البناء الروحي الخالص الامر الذي اثر سلبا في شرائح واسعة منالشباب ما شكل تحولا اجتماعيا لابد من الاعتراف به .
ساعد على ذلك ايضا دخول رجال الدين ميدان السياسة و توظيف مبدأ المقدس حسبمصالحهم. كذلك ساهم ظهور الحركات الاسلامية المتطرفة في التعجيل على ظهور هذهالنزعة .
ولذلك مايميز بروز ظاهرة الالحاد في مجتمعاتنا انها تاتي ليس من منظور فكري بل كردِفعل على سلوكيات رجال الدين .
لذلك نجد خطابها في المنطقة العربية موجها ضد الإسلام وليست ضد الأديان الاخرىوفلسفتها وادبياتها. خلاف حركة الالحاد الاوربية التي جاءت كفعلٍ واعٍ يمتلك وجهدفكري بادوات رصينة فاعلة و فلاسفة ومصلحين وقفوا بوجه الظاهرة الثيوقراطية بشكلعام وناقشوا العلاقة مع الله وضرورة وجود الخالق كما ناقشوا الظواهر المادية واسرارالخلق ومصير الانسان وفهم الدولة برؤيا وجودية مغايرة بمعزل عن التفسير الديني وهوماسمي دينيا في حينها بالهرطقة.
وعلى الرغم من أنّ الارهاصات الاولى للالحاد كانت ضد التعسف والطغيان الكنسي واستبداد رجال الدين ، لكنها قامت وفق منظومة قيمية اجتماعية مغايرة لمنظومة دينيةكانت تلفظ انفاسها على ايدي الفلاسفة العقلانيين. كـ رينيه ديكارت و دينيس ديدرو ،والماركيز دي كوندرسيه ومونتيسيكيو وجان جاك روسو وفولتير وغيرهم ممن اثرتافكارهم في المجتمع وهي تقدم بديلاً عقلانياً مقنعاً ، وحلولا منطقية تمثلُ الثورةُالفرنسية . أبرز مخرجاتها بل ( روح الالحاد ) كما يعبر عنها
رمسيس عوض في كتابه ” الالحاد في الغرب نقلا عن رؤيا المتحمسين للثورة.
ولابد ان نعترف ان التمهيد الاولي للالحاد في الغرب هو تمهيد فكري لم ينقطع بظهورالعلمانية وتحييد الكنيسة ورجال الدين بل استمرت تنظيراته على يد الفيلسوفالبريطاني. برتراند راسل وريتشارد داوكنز صاحب كتاب وهم الاله .لذلك هناك فرقكبير بين الفعل ورد الفعل في اي فكرة ، فرد الفعل هو مواجهة لأزمة ، بينما الفعل هو حل لأزمة أو بديل موضوعي لظاهرة .
في السنوات العشر الاخيرة باتت مخاوف رجال الدين حقيقة من صراع قادم بين التدينوالالحاد ، نرى ذلك بوضوح من خلال التحذيرات التي يطلقها الكثير من المراقبين بشأنالالحاد،مايعد اعترافاً صريحا بوجود الظاهرة الاتي تهدد نفوذ التيار السياسي الديني.
لاسيما مع ظهور ميادين واسعة للحوار والجدل في مواقع التواصل الاجتماعي فهناكصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي للملحدين العراقيين والمصريين والمغاربةوالتونسيين والسعوديين وغيرهم تضم الاف الشباب الذين يناقشون في قضايا كثيرة . بحرية
لكن السؤال الذي يطرحه المهتمون في هذا الشأن هو هل تموت الاديان بوجود الالحاد ؟
بالتأكيد لا، لان الصراع ليس بين الألحاد والدين بل هو بين الالحاد والتدين ، فالدينحاجة روحية لدى الانسان مهما كان مصدره او طقوسه. يقابله الالحاد الذي هو ايضابمثابة دين يوفر مبررات معقولة ومنطقية لحاجة روحية او اجابة خاصة عن اسئلةوجودية ،كما هي الكونفوشيوسية والزرادشتية والطاوية وغيرها .
الاشارة الى هذا النراع الفكري والتحول لم يعد مقتصرا على دولة دون اخرى فهو يشملمعظم الدول العربية والاسلامية ، وقد اتاح الانتشار الواسع للتكنولوجيا ووسائلالتواصل الحديثة مساحات كبيرة للحديث فيه بحرية بالغة واصبح الفيسبوك مثلا زاويةللمتحدثين على غرار الهايد بارك في لندن ، يتحدث فية الانسان ما يشاء وكيفما يشاء.دون خوف من سلطة دينية او مدنية. مما يفرض على الطبقات السياسية المعنيةوالمؤسسات الدينية الحقيقية الرصينة ان تقف عنده بجرأة وان توليه العناية التي تدفعالى تصحيح المسارات الخاطئة التي اضرت بالفرد مبائرة والمجتمعات العربيةوالاسلامية التي تعاني من ذلك.