المعتقدات الدينية السومرية اشراك وليس الحاد –

المعتقدات الدينية السومرية اشراك وليس الحاد –

د – كاظم شمهود
عندما نقرأ المعتقدات السومرية سينكشف لنا مدى التشابه و التقارب بينها و بين المعتقدات عند العرب قبل الاسلام و هذه الامور نجدها في بحوث الدكتور جواد علي خاصة عندما يتحدث عن الاصنام عند العرب و كذلك تشابهها مع بعض العادات و المعتقدات عندنا اليوم . كان السومريون يعتقدون بوجود الاله الاب الاكبر( رب السماء و الارض ) – آن – ( انو , عند البابليين ) و الذي يسكن في السماء الاخيرة , و ان هناك له مساعدين من الالهه الصغار و هم يشكلون الابناء و البنات و الاحفاد و النساء مثل انكي و انليل و ننسخرباج و مردوخ و غيرها , وان هؤلاء الالهه الصغار هم واسطة بينه و بين البشر يؤمرون و يعملون حسب اوامر الاله الاب الاكبر و في نفس الوقت يتشفعون عنده لمساعدة الناس و قضاء حوائجهم .. هذا البناء الهندسي الاعتقادي نجده نفسه يتكرر عند العرب قبل الاسلام حيث كانوا يعبدون الهه متعددة ممثلة بالاصنام لتقربهم الى الله زلفى ( و ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى ). اذن بالمفهوم الحديث ان السومريين يعترفون بوجود اله واحد و لكنهم يشركون معه الهه اصغر منه . نحن اليوم نعتقد باله واحد احد و هناك انبياء و رسل و ملائكة بينه و بين البشر لابلاغ رسالاته و كتبه و في نفس الوقت يتشفعون و يستغفرون للناس .. هذه المعتقدات المتشابهه تدلنا اولا على انه كان هناك في زمن السومريين انبياء و قد حورت رسالاتهم و حولت الى اساطير , ثانيا ان هناك اله واحد يحكم العالم سمي باسماء مختلفة . آن , آنو , الاب الاكبر ( رب السماء و الارض ) , ( الله ) و غير ذلك . و كان السومريون يسمون الانبياء بالحكماء و اطلقوا عليهم اسماء سومرية مثل ابوليم ( ادم ع ) و اتو نابشتم ( النبي نوح –ع- ) . و عندما نستعرض القرآن الكريم نجد انه يصف السومريين و البابليين بانهم اقوام مشركة وليس ملحدة بمعنى انهم يؤمنون بالله ولكن يجعلون له الهه صغار تابعين , وقد اشار الى ذلك ابراهيم –ع- في جدله مع اهل اور و بابل في حوالي 2000 ق م .اي في زمن السومريين و قبل الدولة البابلية الاولى بحوالي 250 سنة . (و حاجه قومه قال اتحاجوني في الله …. و كيف اخاف ما اشركتم و لا تخافون انكم اشركتم بالله .. ) الانعام –
العلماء و ترجمة النصوص –

 


هناك ملاحظة حول علماء الآثار و هي انهم عندما يترجمون النصوص السومرية او الاكدية يحاولون صياغتها بالشكل الذي يفهمها القارئ . و احيانا يترجمون المضمون و ليس ترجمة حرفية . بحيث تؤدي الى القرب من المعنى مثلا- الحكيم – باللغة السومرية هو- ابجال – و في الاكدية – الابجالو – و بالتالي يمكن ان نجزء معنى الكلمة الى :
اب – يعني ماء
جال – يعني عظيم
لو – يعني رجل
و بالتالي تصاغ الجملة : الرجل المائي العظيم . ويعني ذلك انه شكل رجل بنصف سمكي . و هكذا تتم الترجمة و صياغتها في بناء الجملة حتى يفهمها القارئ . وهي من الامور التي تأخذ وقتا طويلا لفهمها و صياغتها . انا شاهدت فيديو للاستاذ صاموئيل نوح كريمر و هو استاذ طه باقر يتحدث عن صعوبة قراءة و ترجمة النصوص المسمارية و التي تحتاج الى احاطة كاملة بكل مناطق و جغرافية الآثار حيث هناك نصوص في مناطق متفرقة يكمل بعضها البعض .
و يمكن معرفة عقلية و فلسفة السومريين من خلال القطع الادبية السومرية لاسيما الاساطير وقصص الملاحم والتراتيل الدينية . و ما اكثرها في متاحف العالم و التي تعد بالالاف .
و كانوا ينظرون الى الكون انه يتكون من السماء والارض وانهم اعتقدوا بوجود البحر الاول المحرك للخلق ( الاله الاب الاكبر ) واعتقدوا بوجود مجموعة من الالهه قوامها كائنات حية شبيهه في هيكلها بالانسان ولكنها فوق الانسان وخالدة ، وأن كل أله موكل بحيز خاص من هذا الكون لسير شؤونه بموجب قواميس وقواعد مقدرة . وقد استدلوا من المعلوم الى المجهول في عمل الالهه حيث ان الكائنات البشرية تعيش في مدن وقصور ولها معابد وحقول ومزارع ونظم حكم . ولهذا فأنهم اعتقدوا ان عمل الالهه على غرار عمل البشر الا انهم خالدون وليس بميتين .
اما مسالة الخلق عند الالهة فعندهم مبدأ القوة الخالقة للحكمة فإذا اراد الاله ان يخلق شيئا يقول الكلمة وينطق بالاسم اي اسم الشئ المراد خلقه – فيظهر .
وقد تكون هذه الفكرة ماخوذه من قرار الملك البشري في اصدار الاوامر حيث تصدر الكلمات من فمه وينفذ .ولكن ان مسألة الخلق موجودة عند الاديان السماوية التوحيدية حيث ان الله اذا اراد شيئا ان يقول له كان فيكون ، وهذا نص قرأني دليل على وجود الكلمة الخالقة وليس غريبا ان فلاسفة السومريين قد اخذوها من الانبياء الموجودين و المنتشرين في مجتمعاتهم و مدنهم يبشرون بوحدانة الله ورسالاته . ( انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون ) .

 


هناك فرق بين فلاسفة السومريين وعلم اللاهوت وبين الشعراء ومبتدعي الاساطير ومدونيها ، فأهل الاساطير كتبة وشعراء شغلهم الشاغل تمجيد الالهه وتعظيمهم والاشادة باعمالهم ومآثرهم وقد سلموا بالمعتقدات والاراء الشائعة في مجتمعاتهم ولم يشغلوا بالهم عن اصولها ونشوئها .ولم تكن عدتهم المنطق والعقل بل الخيال والوهم , اما الفلاسفة فهم يعملون ويفكرون بما وراء الطبيعة على اساس المنطق والعقل .
التحوير الى الاسطورة –
ولكن يبدو ان المفكرين السومريين لم يخبرونا كيف كان الالهه يصلون الى معابدهم وكيف كانوا يؤدون افعالهم الادمية الاخرى كالشرب والاكل ؟ . فقط كانوا يصنعوا لهم التمثايل من الحجر والخشب ويعبدونها ، و كانوا يعتقدون ان اشكال الالهه تشبه الانسان وانها تمرض وتاكل و تخوضون الحروب , وقد ذكر ذلك الاستاذ طه باقر في بحوثه الاثرية .
و قد دخلوا في تناقضات كثيرة ولكن لم يدونوا هؤلاء الحكماء ارائهم بشكل منتظم ولهذا فنحن نبقى في نقص معرفي عن كل شئ ساد تلك العصور القديمة , ومن المؤكد ان بعض الامور اقلقتهم ولم يجدوا لها حلا كما هو الحال عند بعض فلاسفة اليوم .
كان عالم الاثار كريمر و هو يهودي الاصل قد القى محاضرة في جمعية الاداب التوراتية في عام 1954 بعنوان الانسان وربه رواية سومرية لقكرة قصة ( ايوب ) استند فيها الى مقالة شعرية سومرية تتالف من زهاء 135 سطرا امكن جمع الواحها المتكونة من ست الواح من الطين .
و تطرح هذه المقالة ان الفكرة الاساسية التي يعرفها الشاعر السومري هي أنه في حالة العذاب والمصائب ليس للمعذب سوى سبيل هو انه يمجد ربه دوما ويتابع البكاء والضراعة والاستغفار له حتى يستجيب له .
و قد ورد ذكر قصة النبي ايوب –ع- في القرأن الكريم و انه كان صابرا على البلاء الذي اصيب به من المرض و فقدان اهله , وكان يدعو الله دائما ان يعافيه و يشافيه من هذا المرض حتى استجاب الله له فاعاد اليه صحته و اهله بعد امتحان عسير حتى اصبح يضرب به المثل ( صبر ايوب ) – ( و ايوب اذ نادى ربه اني مسني الضر و انت ارحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا له من ضر و اتيناه اهله و مثلهم معهم رحمة من عندنا و ذكرى للعالمين ) الانبياء – و بالتالي نجد ان القصص التي كتبت على الواح الطين السومرية هي تشبه قصص الانبياء التي وردت في الكتب المقدسة و لكنها حورت و حولت الى اساطير .

(Visited 157 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *