مظفر النواب و”أبو گرون”

مظفر النواب و”أبو گرون”


محمد السيد محسن
….
يعد اليسار في السودان من اركان اليسار العربي وقد اثبت الحزب الشيوعي السوداني قوته ، وقدرته على توجيه الشارع السوداني في اكثر من مرحلة.
لقد عانى شيوعيو السودان من أنظمة متقادمة افرزتها الانقلابات التي اشتهرت بها السودان منذ النميري الى البشير ، وكان شيوعيو السودان ينقسمون الى قسمين ولكنهم يتواجدون ويعملون في مقر واحد في احدى البنايات القديمة في العاصمة الخرطوم ، القسم الاول هم شيوعيون قبلوا ان يعملوا تحت اشراف سلطة البشير ومن قبله النميري ولديهم علاقات واسعة مع الترابي الاسلاموي والاخواني حد العظم ، اما القسم الثاني فهم شيوعيون تشبثوا بمبادئهم وابعدوا انفسهم عن السلطة ، وبقوا في ضنك العيش يعزي بعضهم الاخر بعمر النضال وامكانية تحديث صيرورة التاريخ كما يحلم ماركس.
يقول مظفر النواب انه دعي من قبل اتحاد الكتاب السودانيين ، والدعوة بالحقيقة من قبل شيوعيي السودان ،. لأنّ دعوة شاعر مثل مظفر النواب الى الخرطوم تثير شك وتخوف الحكومة وقتذاك فانها يجب أن تتأطر بإطار مؤسسات رسمية ولكثرة عدد الشيوعيين في اتحاد الكتاب السودانيين فقد انتزعوا موافقة لاستضافة مظفر النواب وكان وقتذاك في طرابلس الليبية ومنها وصل الى الخرطوم.
اكمل مظفر الامسية الاولى ، وكان هناك تفاعل كبير ، وعلى غير عادته ، يقول مظفر :حاولت ان أتناغم مع المزاج الشعري في السودان حيث انهم يرغبون بالشعر المقفى ، فالقى قصيدة عمودية عنوانها رباعيات ، وكانت كل اربعة ابيات بقافية واحدة. فضلا عن قصائد من خمرياته المشهورة وقتذاك.
تفاعل السودانيون مع قصائد مظفر ، وتم الاتفاق على امسية ثانية لان كثيراً من الحضور لم يستطيعوا ان يدخلوا قاعة اتحاد الكتاب الصغيرة ، فتم الاتفاق على إقامة امسية اخرى في مكان اكبر متسعا .
وفي الصباح تفاجأ مظفر بمقال كتبه احد الشيوعيين من القسم الاول ، اي من الشيوعيين الذي تفاخر بتاريخه الشيوعي ، واستقوى بعلاقاته مع الحكومة على رفاقه الشيوعيين .
كان يقال له في السودان “ابو قرون” وفي اللهجة السودانية الدارجة كانوا يلفظون حرف القاف بشكله العامي اي الكاف المضخمة “گرون”
كتب ابو گرون : ذهبنا كي نستمع لشاعر مناضل فوجدناه يطّوح من الخمرة . لا ادري كيف تحملنا مظفر النواب ساعتين .
ورغم ان مظفر لم يكن عدائياً في طبعه الاجتماعي ، الا انه انزعج كثيرا فما كان منه الا انه انتهز فرصة الامسية الثانية واضاف رباعيتين خص بهما “ابو گرون” بعد ان سأل عنه وقيل له انه كان من كوادر الحزب الشيوعي السوداني ، بيد انه الان بات احد رجالات السلطة ونزل الى مستوى الفساد وتغاضت عنه حكومة البشير ، وهو الان اقرب للاسلاميين منه للشيوعيين .
فاضاف مظفر لرباعياته ما يلي:
ما لبعض الناس ترميني بسكري في هواك
وهو سكرانٌ عماراتٍ يسمّيها رضاك
يابن جيبين حرام
إنني اسكر كي احتمل الدنيا
التي فيها أراك
….
سيدي تمّ غنائي
انما عتب صغير
لِمَ لَمْ تجعلْ لبعض الناس أشكال الحمير
فتريح الناس منهم
أم ترى أنَّ المطايا سوف تحتجّ على هذا المصير!
يقول ابو عادل ان هذه الابيات تم تداولها على انها هجاء مظفر النواب ل “أبو گرون” …ويضيف : ان كره الطبقة المثقفة وعلى رأسهم شيوعيي السودان ل “أبو گرون” ساعد كثيرا في شهرة هذه الابيات في السودان .
في هذه الحادثة انتفض مظفر لاسمه ولنعته ب “المناضل” فكان مدافعاً بالكناية الشعرية دون ان يصرح باسم المهجو ، واختلفت طريقة الهجاء المظفري حيث استخدم لغة التهكم ووصف المهجوَ دون تسميته ، وكان القصد واضحاً دون ان يستطيع أبو گرون ان يثبت جريمة القذف بحقه ، لكنه درس لكل الذين يستهزئون بالشعراء الحقيقيين الذين يدافعون عن سمعتهم ، وعن سمعة كنيتهم وتاريخهم النضالي.

 

(Visited 326 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *